الرجوع
(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (الرجوع) أي النوع المسمى بالرجوع (و) يؤخذ وجه تسميته من معناه إذ (هو العود) أي : الرجوع (إلى الكلام السابق) من المتكلم (بالنقض) أي : هو أن يرجع المتكلم إلى نقض الكلام السابق وإبطاله ، فالباء في بالنقض للمصاحبة ، أي : يرجع إلى الكلام السابق مستصحبا في رجوعه إليه نقضه وإبطاله ، ويحتمل أن تكون الباء للتعليل ، أي : يرجع إليه ؛ لأجل قصد نقضه بإتيانه بكلام آخر فيبطله ويشترط في كون الرجوع إلى نقض الكلام من البديع أن يكون ذلك النقض (لنكتة) كأن يفهم من السياق أن المتكلم لم يعد لإبطال الكلام الأول لمجرد كونه غلطا ، وإنما ذلك لإظهار التحسر والتحزن ، وكون العود دالا على التحسر والتحزن حتى يجعل لإفادته وتكون تلك الإفادة هي النكتة ، فتحقق بما تقرر مثلا أن الإنسان إذا كان متولها في الحب مغلوبا على عقله ربما يظن الشيء واقعا وليس بواقع ، ثم إنه قد يستفيق بعد الإخبار بغير الواقع المرغوب المظنون ، فيعود إلى إبطاله بالإخبار بالحقيقة ، فيظهر من ذلك أنه عائد إلى الصدق كرها ، وفي ضمن ذلك أنه متأسف على فوات ما رغب فيه ، وغيبه الحب عن إدراك خلافه ، فإذا دل الدليل على أنه لم يغب عن عقله حقيقة ، فهم من عوده أنه في منزلة المغيب بالحب المتأسف على ما فات ، فيفهم منه أنه أراد أن يظهر التحسر والتحزن على فوات ما أخبر به أولا وذلك (كقوله : قف بالديار التي لم يعفها) (١) أي : لم يستر آثارها (القدم) أي : قدم عهد أربابها ؛ لقرب وقت انتقالهم عن تلك الديار ، وهذا مرغوبه ؛ لأن قرب الأثر مما تستنشق منه رائحة المحبوب ، ويقرب به وقت الوصال ، ثم أضرب عن هذا مظهرا أنه توله في الحب حتى أخبر بغير الواقع للرغبة فيه ، وفي ضمن ذلك التحسر والتحزن على فواته ، وأنه ما عاد إلا كارها بدليل أن المتصور هو ذلك الأول المرغوب فهو المتأسف عليه ، فعاد إلى إبطاله متأسفا على فواته وفوات قرب الأحباب فقال (بلى) أي : عفاها لأن نفي النفي إثبات (وغيرها الأرواح) أي : غيرت آثارها الرياح ، فالأرواح جمع ريح ، ولما فتحت العين ردت إلى
__________________
(١) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص (١٤٥) ، وتهذيب اللغة (١٥ / ٦٧٢).