أصلها وهو الواو ؛ إذ يقال منه : روحته بالمروحة (و) غير آثارها (الديم) جمع : ديمة وهي السحابة ذات المطر الكثير ، سميت بذلك لدوامها غالبا ، فقد ظهر وجود النكتة في هذا العود ، وأنه إنما أراد أن يظهر به التحسر والتحزن والتوله كما قررنا ، وأن ذلك من جهة أنه كالمخبر بغير الواقع حقيقة وقصدا ، ثم أفاق بعض الإفاقة فنقض كلامه السابق رجوعا للصدق كرها ، فقال : بلى عفاها القدم وغيرها الأرواح والديم ، وعطف تغيير الأرواح والديم على عفو القدم من عطف المفصل ؛ إذ تغيير القدم إنما يكون غالبا بتغيير الأرواح والديم ، بخلاف ما لو أخبر بالفساد غلطا ثم عاد لإبطاله لمجرد كونه غلطا من غير أن يشتمل على نكتة ، فإنه لا يكون من الرجوع في شيء ، كما لو قيل : جاء زيد غلطا ، ثم قيل : لا بل جاء عمرو ، وقد يقال : النكتة فيما تقدم هي إظهار التوله في الحب حتى يخبر بما لا حقيقة له ، ولذلك عاد إلى إبطاله وهو الأقرب والأول لا يخلو من تكلف.
التورية
(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (التورية) أي : النوع المسمى بالتورية أخذا من ورى بلفظه إذا أخفى مراده (ويسمى) هذا النوع (الإيهام أيضا) لأن فيه كما يظهر من معناه خفاء المراد وإيهام خلافه (وهو) أي : هذا النوع المسمى بالتورية والإيهام هو (أن يطلق لفظ له معنيان) في نفس الأمر أحدهما (قريب و) الآخر (بعيد ويراد) به حال الإطلاق (البعيد) من معنييه ، ولا بد أن تكون إرادة البعيد معتمدا فيها على قرينة خفية ، وأما إن كانت ثم قرينة ظاهرة صار المعنى قريبا بها ، وإن كان بعيدا في أصله فيخرج عن معنى التورية ، فإن لم تكن ثم قرينة أصلا لم يفهم إلا القريب ، فيبطل حكم الإرادة ، ويخرج اللفظ عن التورية أيضا ؛ إذ لو جوزناها بلا قرينة أصلا خرج لفظها عن قانون الاستعمال ، وهو إفهام المراد ، فإن قيل : المعنى البعيد في التورية مرجوح الاستعمال فلا يكون اللفظ فيه إلا مجازا ، وهذا المعنى موجود في كل مجاز فحينئذ كل مجاز يكون تورية ، وظاهر كلامهم التورية حقيقة مباينة للمجاز ، وإلا كان كل مجاز من البديع ، قلت : بعد تسليم أن المعنى البعيد لا يكون اللفظ فيه إلا مجازا لا يلزم منه اتحاد المجاز