والقناء الرماح ، وأراد بالمشايخ الكهل من ذكور قومه. وقوله : هم كالمرد الذين لا لحى لهم من طول اللثام ، عبارة عن لزومهم زي الكبراء وأهل المروءة في عرفهم. فقد ذكر المشايخ ثم أشار إلى أحوالهم مضافا لكل حال ما يليق به بقوله هم (ثقال) على الأعداء ، من شدة شوكتهم وصعوبة وطأتهم (إذا لاقوا) والثقل هنا عبارة عن شدة نكاية الملاقي لهم ، وعجزه عن تحمل أذاهم ، وهم (خفاف) جمع خفيف أي مسرعين بالإجابة (إذا دعوا) إلى كفاية مهم ، أو دفاع ملم (كثير إذا شدوا) لأن واحدا منهم يقوم مقام الجماعة في الكناية. فحكم ما كان منهم حكم الكثير في الإفادة.
(قليل إذا عدوا) لأن أهل النجدة والإفادة مثلهم في غاية القلة فقد ذكر المشايخ أولا ، ثم ذكر أحوالهم من الثقل والخفة والكثرة والقلة ، وأضاف لكل حال ما يليق بها ، فأضاف للثقل حال الملاقاة وللخفة حال الدعوة للإجابة ، وللكثرة حال الشدة والحمل على الأعداء ، وللقلة حال العد.
ولا يخفى ما اشتمل عليه هذا التقسيم من الطباق بذكر القلة والكثرة ، والخفة والثقل ، إذ بين كل اثنين منها تضاد. وإنما لم يكن هذا من قبيل التقسيم السابق ؛ لأن التقسيم السابق يذكر فيه نفس المتعدد ـ مضافا لكل مما قصد من أفراده ـ ما يناسبه ، وهذا لم يذكر فيه نفس المتعدد المذكور أولا ، وإنما ذكرت أحواله ، وأضيف لكل من تلك الأحوال ما يليق بها كما رأيت فافهم.
التقسيم باستيفاء أقسام الشيء
(و) القسم (الثاني) من الأمرين اللذين ليسا من التقسيم السابق هو (استيفاء أقسام الشيء) بحيث لا يتصور للمقسم قسم آخر غير ما ذكر ، وذلك (كقوله تعالى) في تقسيم الإنسان باعتبار أمر الولادة : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) فقط (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١) فقط وقدم الإناث في الذكر على الذكور هنا ؛ لأن سياق الآية في بيان أنه ليس للإنسان ما يشاء من الولادة ؛ وإنما يكون منها ما يشاء الله تعالى والذي لا يريده الإنسان هو الإناث ، فناسب تقديم الدال عليهن ، ثم عرف الدال على الذكور
__________________
(١) الشورى : ٤٩.