اللفظ الظاهر إذا كرر أفاد المغايرة ، بخلاف الضمير. ولكن يرد أن يقال فلم لم يقل ويزوج من يشاء ذكورا وإناثا؟ أي يجعل لمن يشاء الذكور والإناث معا ، فيفيد المباينة ويجري الكلام على نسق واحد؟ وأجيب بأن تلك الأقسام لو علقت جميعها بلفظ المشيئة ولم يعبر بالضمير العائد على ما ذكر لاستشعر أن كل قسم يستحق ذلك بالمشيئة التابعة لرعاية الأصلح ، كما يقول المعتزلي ؛ لأن أصل المباينة الصريحة أن تكون لحكمة اقتضتها ، والمشيئة صلحت للكل ، فيكون التخصيص لحكمة الرعاية إذ لا يظهر غيرها.
وحيث ذكر الضمير العائد على القسم المخصوص بالذكور أو الإناث أو لهما معا استنشق منه بحسب الظاهر. وإن كان المراد غير شخص المذكور أن ذلك باعتبار المشيئة المحضة التي لا يجب فيه رعاية الأصلح ؛ لإفادته بحسب الظاهر أنه لا يجب عليه تخصيص ذلك الشخص ، بل لو شاء لجعل له الجميع. فلما وجدت هذه الفائدة في التعبير بالإضمار عدل إليه ، ولما عدل ناسب التعبير بأو ؛ ليفيد المباينة وإلا أفادت الواو أن الذي وهب الذكور فقط ، أو وهب الإناث فقط يجعل له الزوج أي الذكور والإناث معا ، وهو لا يصح ، هكذا أشار إليه بعضهم ، فتعرضنا له مع إيجاز وإيضاح ؛ لأنه مما تتشوف لمثله النفوس لدقته والله الموفق بمنه وكرمه.
ولكن لا يخفى ما في كون التعليق بالمشيئة في كل قسم مفيدا لاتباع المصلحة من مجرد الدعوى والتحكم بلا دليل. بل المشيئة إنما تفيد عدم الوجوب لوجه من الوجوه ، سواء كان مصلحة أو غيرها ، وذلك أصلها. تأمل.
التجريد
(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (التجريد) أي : النوع المسمى بالتجريد (وهو) أي : التجريد (أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر) أي هو : أن ينتزع من أمر له صفة أمر آخر ، فآخر نائب فاعل ينتزع (مثله فيها) أي ويكون الأمر المنتزع من ذي صفة مثل ذي الصفة في تلك الصفة ، ويدل على أنه منتزع على أنه مثله في الصفة تعبير المتكلم عنه بما يدل على تلك الصفة كما يأتي في الأمثلة.