(مبالغة) أي والمقصود من ذلك الانتزاع إفادة المبالغة أي إفادة أنك بالغت في وصف المنتزع منه بتلك الصفة وإنما تبالغ كذلك (ل) أجل (كمالها) أي : لادعائك كمال تلك الصفة (فيه) أي : في ذلك المنتزع منه وإنما قلنا : لادعاء الكمال إشارة إلى أن إظهار المبالغة بالانتزاع لا يشترط فيه كونه كاملا في تلك الصفة في نفس الأمر ، بل الادعاء كاف سواء طابق الواقع أم لا.
ووجه دلالة الانتزاع على المبالغة المبنية على ادعائك الكمال ما تقرر في العقول من أن الأصل والمنشأ لما هو مثله في غاية القوة ، حتى صار يفيض بمثالاته فإذا أخذ وصف باعتبار تلك الصفة من موصوف آخر بها فهم أنك بالغت في وصفه ، حتى صيرته في منزلة هي بحيث كانت فيه تلك الصفة منشأ لتفريع أمثالها عنها وإيجادها عنه ، فهي فيه كأنها تفيض بمثالاتها لقوتها كما تفيض الأشعة عن شعاع الشمس ، وكما يفيض الماء عن ماء البحر فليفهم فإنه سهل ممتنع.
أقسام التجريد
وبمثل هذا علم أن فنون هذا العلم لا يخلو سهلها ـ كالبديع ـ من وجود الدقائق ورعايتها ، فضلا عن صعبها ، كالبيان والمعاني (وهو) أي التجريد (أقسام) عديدة ؛ لأن الانتزاع إما أن يكون بحرف أو بدونه ، والحرف إما من أو الباء أو في ، والباء إما داخلة على المنتزع منه أو داخلة على المنتزع ، وما يكون بدون حرف إما أن يكون لا على وجه الكناية ، أو يكون على وجهها ، ثم هو إما انتزاع من غير المتكلم ، أو انتزاع من المتكلم نفسه. فهذه أقسام أشار إليها وإلى أمثلتها بقوله :
(فمنها) أي : من تلك الأقسام ما يكون حاصلا بمن التجريدية (نحو قولهم) في المبالغة في وصف فلان بالصداقة : (لي من فلان صديق حميم) أي : صديق قريب لي كأنه نفسي ، بحيث يهتم بأمري كما أهتم أنا به.
وإنما يقال هكذا إذا قصد إظهار المبالغة في صداقته ، حتى صار بحيث يفيض عنه صديق آخر.