الإنسان نفسه تستلزم التجريد وذلك (كقوله) أي : المتنبي (لا خيل عندك تهديها ولا مال) (١) فهذا الكلام إنما سيق لبيان فقره ، وأنه عديم الخيل والمال ، أي : لا غناء عنده يهدي منه ليكافيء بذلك إحسان الممدوح ، فجرد من نفسه مخاطبا مثل نفسه في هذه الصفة التي هي كونه لا خيل عنده ولا غنى يهدي منه فخاطبه بقوله :
لا خيل عندك تهديها ولا مال |
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال |
أي وحيث لم يوافق في تحصيل الغرض الحال أي الغنى ؛ لامتناعه وعدم وجدانه فليوافق النطق بالمدح والثناء ليكون ذلك مكافأة للممدوح بما أمكن.
المبالغة
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (المبالغة المقبولة) أي : النوع المسمى بذلك ، وقيد بالمقبولة إشارة إلى أن من المبالغة ما لا يقبل ، فلا تكون من البديع المعنوي ردا على من قال : تقبل مطلقا إذ حاصلها أن يثبت في الشيء من القوة أو الضعف ما ليس فيه. وأعذب الكلام أكذبه مع إيهام الصحة وظهور المراد فتكون من المحسنات مطلقا.
وإنما قلنا مع إيهام الصحة وظهور المراد ؛ لئلا يتوهم أن أحدا من العقلاء يقول في الكلام الكذب المحض الذي قصد ترويج ظاهره مع فساده أنه مستحسن وردا على من قال : لا تقبل مطلقا. إذ لا خير في كلام أوهم باطلا ، أو حققه كما قال السيد حسان رضي الله تعالى عنه.
فإن أشعر بيت أنت قائله |
بيت يقال إذا أنشدته صدقا (٢) |
فهذان قولان مطلقان. والمختار كما أشار إليه المصنف التفصيل وهو أن المبالغة إن كانت غير غلو قبلت ، وإن كان غلوا ـ وسيأتي تفسيره ـ فإن كان معها لفظ يقربها من الصحة ، أو تضمنت نوعا حسنا من التخييل ، أو خرجت مخرج الهزل والخلاعة
__________________
(١) البيت للمتنبي فى ديوانه (٢ / ٢٥٠) ، وهو ضمن قصيدة قالها يمدح بها أبا شجاع ، انظر شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٩٩).
(٢) لحسان بن ثابت فى شرح المرشدى (٢ / ١٠١).