من وصف ذلك الفرس الذي تابع بين الصيدين أو تابع بين موالاتهما في طلق واحد أنه (لم ينضح) أي : لم يرشح (بخروج) (ماء) أي عرق (فيغسل) مجزوم عطف على لم ينضح أي لم يعرق ولم يغسل ، والغسل المنفي يحتمل أن يراد به غسل العرق ويكون تأكيدا لنفي العرق ويحتمل أن يراد الغسل بالماء القراح أي لم يصبه وسخ العرق وأثره ، حتى يحتاج إلى الغسل بالماء فمضمون هذا الكلام أن فرسه أدرك ثورا ونعجة أو أثوارا ونعاجا على الاحتمالين في مضمار واحد وهذه الدعوى أعني ادعاء بلوغ الفرس في القوة والسبق إلى هذه الحالة ممكنة عادة وعقلا ، وإن كان وجودها في الفرس في غاية الندور ، ومن ثم كانت مبالغة وتسمى أو دعواها تبليغا كما تقدم.
(وإن كان) المدعى (ممكنا عقلا لا عادة) فهو أي : فدعوى بلوغه إلى حيث يستحيل بالعادة ، وإنما بقى له الإمكان العقلي (إغراق) أي يسمى إغراقا لما تقدم وذلك (كقوله : ونكرم جارنا ما دام) (١) مقيما (فينا) أي : معنا وفي مكاننا (ونتبعه) إن رحل عنا وسكن مع غيرنا (الكرامة) واتباع الكرامة للجار إرسالها إليه وبعثها في أثره وإبلاغها إياه (حيث مالا) أي : حيث صار ووصل فمضمن هذا البيت أنهم يكرمون الجار في مقامه لديهم ، وفي كونه مع غيرهم وارتحاله عنهم ولا شك أن إكرام الجار لتقدم جواره في حال كونه مع الغير محال عادة حتى إنه يكاد أن يلتحق بالمحال عقلا في هذا الزمان لانطباع النفوس على الشح وعدم مراعاة غير المكافأة ، وهذا المثال إنما يصح كما ذكر إذا حمل الكلام على أن المراد إعطاء الجار الإحسان بعد جواره ولو بعد الانفصال والكون مع الغير وإدامة ذلك أبدا.
وأما إن حمل على أن المراد إعطاء الجار زاده حال الارتحال إلى جهة أخرى فهذا لا يستحيل عادة لوقوع مثل ذلك في بعض الأوقات من الأكابر وذوي المروءات.
(وهما) أي التبليغ والإغراق (مقبولان) معا على الإطلاق لعدم ظهور الامتناع الكلي فيهما الموجب لظهور الفساد والكذب (وإلا) أي وإن لم يكن المدعى ممكنا عقلا ويلزم أن لا يكون ممكنا عادة أيضا ؛ إذ لا يتصور أن يكون الشيء ممكنا عادة ممتنعا
__________________
(١) البيت لعمرو بن الأيهم الثعلبى فى الإشارات ص (٢٧٩) ، والمصباح ص (٢٢٤) ، شرح المرشدى (٢ / ١٠).