قوله تعالى (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(١) وجعل من المبالغة إخراج الكلام مخرج الشك ومثله بقوله تعالى (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) ونحو قوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ)(٣) وجعل منه حذف الأجوبة للمبالغة نحو (وَلَوْ تَرى)(٤) وهذا كله عرف مما سبق من علم المعاني والبيان قال عبد اللطيف البغدادي ومتى وقعت المبالغة في قافية سميت إيغالا وهو أن يأتي البيت تاما من دون القافية ثم تأتي القافية لحاجة البيت إلى الوزن فيزداد المعنى جودة وأنشد :
كأن عيون الوحش حول خبائنا |
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب (٥) |
وقد تقدم هذا في باب الإيجاز والإطناب.
(تنبيه)
سمعت بعض المشايخ يقول : إن صفات الله تعالى التي هي على صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور ومنان كلها مجازات وهي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكثر مما له وصفات الله تعالى متناهية في الكمال لا تمكن المبالغة فيها ، والمبالغة أيضا تكون في صفات تقبل الزيادة والنقص وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك وعرض هذا الكلام على الوالد فاستحسنه ولا شك أن هذا إنما يأتي تفريعا على أن هذه الأسماء صفات فإن قلنا علام فلا يراد السؤال ؛ لأن العلم لا يقصد مدلوله الأصلي من مبالغة ولا غيرها ، وسمعت بعض أهل العلم يقول إنما لم يوجد لكثير من الشعراء المسلمين كثير من الشعر يمدحون به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الشعر إنما يحسن بالمبالغة وهي متعذرة في حقه صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن المادحين وإن بذلوا جهدهم لا يصلون إلى قطرة من بحره عليه أفضل الصلاة والسّلام.
__________________
(١) الأعراف : ٤٠.
(٢) سبأ : ٢٤.
(٣) الزخرف : ٨١.
(٤) الأنعام : ٢٧.
(٥) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص (٢١٧) ، والمصباح ص (٢٣١) ، والإيضاح ص (١٧٨).