كون الإنسان لا يعاتب مادحه الطالب لإحسانه لا يستلزم أن لا يعاتب مادح غيره لطلب إحسان ذلك الغير. ويجاب بأن المراد لم يرهم أحد مذنبين وأنت من جملة من لم يرهم مذنبين وعبر عن هذا العموم بالخطاب والمراد العموم كما يقال لا ترى فلانا إلا مصليا أي لا يراه أحد إلا مصليا أنت وغيرك والخطب في مثل هذه الأبحاث سهل وقد تعرضنا لذلك ؛ لأنه مما تشحذ به القرائح المكدودة وتنفتح به البصائر المسدودة والله الموفق بمنه وكرمه.
حسن التعليل
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (حسن التعليل) أي النوع المسمى بحسن التعليل (وهو) أي حسن التعليل (أن يدعى لوصف علة مناسبة له) أي أن يثبت لوصف علة مناسبة ويكون ذلك الإثبات بالدعوى ولتضمن يدعى معنى الإثبات عدى إلى الوصف باللام وقد تقدم مثله (باعتبار لطيف) أي ويشترط في كون إثبات العلة المناسبة للوصف من البديع أن يكون إثبات تلك العلة المناسبة مصاحبا لاعتبار أي لنظر من العقل لطيف أي : دقيق يحتاج فيه إلى تأمل بحيث لا يدرك المعتبر فيه في الغالب إلا من له تصرف في دقائق المعاني وفي الاعتبارات اللطيفة (غير حقيقي) نعت للاعتبار بمعنى المعتبر أي يكون غير حقيقي أي غير مطابق للواقع بمعنى أنه ليس علة في نفس الأمر بل اعتبر علة بوجه يتخيل به كونه صحيحا كما يأتي في الأمثلة ، ويحتمل أن يكون نعتا للاعتبار على أنه مصدر على أصله ؛ لأن الوصف إذا كان غير حقيقي في التعليل أي ليس علة في نفس الأمر فاعتباره علة أيضا غير حقيقي فإن قيل : كون الاعتبار لطيفا إنما يكون بكون الوصف غير مطابق للواقع في التعليل إذ بذلك يثبت لطفه لأن جعل ما ليس بواقع واقعا على وجه لا ينكر ولا يمج هو الاعتبار اللطيف فعليه لا حاجة لقوله غير مطابق لأن ذلك هو معنى كون المعتبر لطيفا قلت يجوز أن يكون لطيفا أي دقيقا حسنا ويكون مطابقا وما يكون من البديع يشترط فيه أن لا يطابق فلذلك وصفه بكونه غير حقيقي وذلك كما قيل : إن العلة في إطلاق النبي صلىاللهعليهوسلم العفريت الذي اعترض له في الصلاة هي أن لا يتوهم أن سليمان لم يستجب له في طلبه ملكا لا ينبغي لأحد من