علة مناسبة (إما ثابتة) في نفسها و (قصد) بما أتى به (بيان علتها أو غير ثابتة) في نفسها ولكن (أريد إثباتها و) الصفة (الأولى) وهي الثابتة التي أريد بيان علتها قسمان ؛ لأنه (إما أن لا يظهر لها في العادة علة) أخرى غير التي أريد بيانها ، وإنما قال لا يظهر ولم يقل لا يكون لها علة ؛ لأن الحكم لا يخلو عن علة في الواقع لما تقرر أن الشيء لا يكون إلا لحكمة وعلة توجبه.
أما على المذهب الباطل من رعاية الحكم وجوبا فظاهر وأما على المذهب الصحيح فالقادر المختار وصف نفسه بالحكيم فهو يرتب الأمور على الحكم بالاختيار والتفضل وإن كان ذلك لا يجب عقلا ، ثم مثل لهذا القسم وهو ما لا يظهر له في العادة علة فقال (كقوله) أي كقول المتنبي (لم يحك) (١) أي لم يشبه (نائلك) أي عطاءك (السحاب) أي : عطاء السحاب وإنما قدرناه كذلك ؛ لأن المناسب أن يشبه بالنائل عطاء السحاب لا نفسه فيفهم منه أنه لا يحكيك في نائله فكأنه قال لا يشابهك السحاب في عطائه ، ثم أشار إلى أن إتيان السحاب بكثرة الأمطار ليس سببه طلبه مشابهتك ، وإنما ذلك لسبب آخر ، وفي ضمن ذلك زيادة على نفي مشابهة السحاب للممدوح أن السحاب لا يطلب المشابهة بل آيس منها لما رأى من غزير عطائك فقال ليست كثرة أمطار السحاب لطلبه مشابهتك (وإنما حمت) السحاب (به) أي بشهوده أعنى بشهود نائلك وعلمه بتفوق نائله أي كون نائلك فوق نائله بمعنى أنه كان يتوهم أنه ممن يطلب محاكاتك في النائل ، فلما شاهد نائلك أيس من طلب المحاكاة ، فلحقته غيرة وتغيظ ودهش مما رأى وقد أيس من إدراكه وأوجب له ذلك الدهش والتغيظ حمى (فصبيبها) أي فمطرها المصبوب (الرحضاء) بفتح الحاء وضم الراء وهو عرق المحموم وسمى أمطارها صبيبا احتقارا له بين يدي عطاء الممدوح ، وحاصله : أن السحاب لم يأت بالمطر لمحاكاة عطائك وإنما أمطارها عرق من حمى أصابته من إياسه من مشابهتك ، ولا يخفى ما في جعل السحاب مما يدركه وتدركه الحمى من التجوز اللطيف ، ولا شك أن مضمن هذا الكلام أن الصفة التي هي نزول المطر من السحاب عللها
__________________
(١) البيت لأبى الطيب ، وهو فى شرح التبيان للعكبري (١ / ٣٣).