للنية كما لا يخفى. اللهم إلا أن يراد بالعلة العلة العلمية ، بمعنى أن علة علمنا بأن نية خدمة الممدوح كانت هي انتفاء عدم الانتطاق بثبوت الانتطاق ، ورؤيته كما ذكرنا ، أنه يستدل بالمعلول على العلة فيكون المعلول علة للعلم بوجود العلة لهذا المعلول في الخارج ؛ لأن العلة كما تطلق على ما يكون سببا لوجود الشيء في الخارج تطلق على ما يكون سببا لوجود العلم به ذهنا.
فالانتطاق وإن كان معلولا مسببا عن النية في الخارج يجعل علة للعلم بوجود النية ؛ لأن يستدل بوجود المسبب على وجود السبب وبانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم المستلزم لحصول المراد كما في قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فإن انتفاء الفاسد انتفاء اللازم ، ويكون علة للعلم بانتفاء الملزوم الذي هو التعدد ، فيثبت المراد الذي هو الوحدة. وهذا ولو كان هو الأقرب لأن يحمل عليه المثال لتصحيح كلام المصنف ، لكن فيه تمحل ؛ لأن الظاهر أن مرادهم بالعلة ما يكون علة في الوجود لا في العلم كما تشهد به الأمثلة السابقة.
وأما ما قيل لتصحيح كلام المصنف من أنه أراد أن الانتطاق صفة ممتنعة للجوزاء ، إذ الانتطاق صفة مخصوصة بالإنسان الذي يشد النطاق في الوسط ، فهو صفة غير ثابتة عللها بعلة هي نية خدمة الممدوح غير مطابقة لما فى نفس الأمر فيكون المثال لغير الثابتة التي لا تمكن لأن الانتطاق غير ممكن فيرد من وجهين :
أحدهما : أن المصنف صرح في الإيضاح كما تقدم بأن الصفة الغير الثابتة وهي المعللة إنما هي نية خدمة الممدوح لا الانتطاق ، ولم يجعل النية هي العلة كما ذكر هذا القائل.
والآخر : أن الانتطاق أطلق تجوزا على معنى صحيح هو هيئة إحاطة النجوم بالجوزاء كما ذكرنا ، فهو أمر محسوس ، لا يمكن كونه غير حقيقي ، وحمله على الانتطاق المعهود مع قيام القرينة على إرادة خلافه إحالة للدلالة اللفظية عن وجهها ، ولا وجه له.