ذكر الضربين ، ومنه ضرب آخر أن يقول هنا وهو ضروب ، وكأنه رأى أن الضربين هما الأكثر أو الأشهر فلم يتعرض للآخر هنا (أفضلهما) أي أفضل الضربين وهو أولهما (أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة المدح) لذلك الشيء فقوله صفة مدح نائب فاعل يستثنى وإنما يستثنى صفة مدح من صفة ذم (بتقدير دخولها) أي بأن يقدر المتكلم أن صفة المدح المستثناة داخلة في صفة الذم المنفية. ثم إنه ليس المراد بالتقدير إدعاء الدخول على وجه الجزم والتصميم ، بل تقدير الدخول على وجه الشك المفاد بالتعليق ؛ لأن معنى الاستثناء كما يأتي : أنا نستثني هذا العيب من المنفي الذي نقدر أي نفرض دخوله إن كان عيبا ، هذا إذا كانت الباء على أصلها ، ولو جعلت بمعنى على أفادت التقدير على وجه التعليق الموجب لكونه على وجه الشك ، فلا يحتاج للتنبيه على أنه المراد. فافهم.
وإنما كان ما ذكر من تأكيد المدح بما يشبه الذم لأن نفي صفة الذم على وجه العموم حتى لا يبقى ذم في المنفي عنه مدح وبما تقرر أن الاستثناء من النفي إثبات كان استثناء صفة المدح بعد نفي الذم إثباتا للمدح فجاء فيه تأكيد المدح وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى في كلام المصنف وإنما كان مشبها للذم ؛ لأنه لما قدر الاستثناء متصلا ، وقدر دخول هذا المستثنى في المستثنى منه كان الإتيان بهذا ـ المستثنى لو تم التقدير وصح الاتصال ـ ذما ؛ لأن العيب منفي فإذا كان هذا عيبا كان إثباتا للذم ، لكن وجد مدحا ، فهو في صورة الذم وليس به ولهذا كان هذا التأكيد مشبها للذم ، وفي صورته ، حيث أتى به مستثنى مقدر الاتصال وفائدة تقديره متصلا إفادة أن هذا المستثنى لا يثبت العيب إلا به ، إن صح كونه من جنسه فيفيد ذلك تعليق ثبوت العيب على المحال ؛ لأن الفرض أن المستثنى مدح لا ذم ، فتعليق إثبات الذم على كونه صفة ذم مع كونه صفة مدح تعليق بالمحال كما سيقرره المصنف أيضا.
ثم مثل لتأكيد المدح بما يشبه الذم فقال : (كقوله) أي كقول النابغة الذبياني
(ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
بهن فلول من قراع الكتائب) |