الإثبات ببينة ؛ للعلم بأن ليس هنا استدلال أصلا ، وإنما هنا مجرد الدعوى. لكن لما تقرر أن الاستدلال قد يكون بأن يقال : إن هذا الشيء لو ثبت ثبت المحال ، فإذا سلم الخصم هذا اللزوم لزم قطعا انتفاء ذلك الشيء فيلزم ثبوت نقيضه فإذا كان نقيضه هو المدعي لزم إثباته بحجة التعليق بالمحال ، صار هذا الاستثناء بمنزلته في الصورة ؛ لأن المتكلم علق ثبوت العيب على كون المستثنى عيبا ، وكونه عيبا محال فالمعلق على المحال محال فعدم العيب محال.
ويكفي في التأكيد إيهام وجود هذا الاستدلال ؛ لاشتراك البابين في مجرد التعليق ، ولو كان هنا على سبيل الإثبات بالدليل فافهم.
(و) جهة (أن الأصل في) مطلق (الاستثناء) هو (الاتصال) أي كون المستثنى من جنس المستثنى منه وكون المستثنى منه ، ملابسا لما يفيد فيه العموم بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه ، وإنما كان الأصل في الاستثناء الاتصال لما تقرر في محله وهو أن الاستثناء المنقطع مجاز. وقولنا : الاستثناء المنقطع مجاز تريد أن أداة الاستثناء في المنقطع مجاز ، وأما إطلاق لفظ الاستثناء على المنقطع فهو حقيقة اصطلاح وقيل إن لفظ الاستثناء في المنقطع مجاز أيضا ، وإذا كان فى الأصل في أداة الاستثناء الاتصال أو في نفس الاستثناء (فذكر أداته) أي أداة الاستثناء ، فالضمير في أداته عائد على الاستثناء ، إلا أننا إن قلنا : إن المراد بالاستثناء أولا أداته كان الضمير في أداته على الاستثناء بمعنى الأداة ، أو بمعنى نفس الاستثناء على طريق الاستخدام. وإن قلنا إن المراد به الاستثناء بناء ، على أن لفظه مجاز في المنقطع ، كان الضمير على أصله.
(قبل ذكر ما بعدها) أي فذكر الأداة قبل أن يتلفظ بما بعدها وهو المستثنى (يوهم إخراج شيء) وهو المستثنى ؛ لأن الأصل في الاستثناء الاتصال ، فيفهم أولا بناء على الأصل أنه أريد إخراج ما دخل (مما قبلها) أي مما قبل أداة الاستثناء ، والذي قبل أداة الاستثناء هو المستثنى منه (فإذا وليها) أي فإذا ولي الأداة (صفة مدح) ، وتحول الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع ، وتعين أن المراد به الانقطاع (جاء التأكيد) لما في ذلك الاستثناء من زيادة المدح على المدح ، مع أن المزيد على وجه أبلغ.