يوجد فيها أيضا كما تقدم فلا يفيد التأكيد بالوجه الأول كما في الضرب الأول ، وإنما يفيده بالثاني وهو أن الاستثناء لما كان أصله الاتصال فالعدول عن الاتصال إلى الانفصال يشعر بأنه طلب استثناء المدح فلم يجده فأتى بالذم بوجه أبلغ فقد تبين أن الضرب الأول يفيد بالوجهين والثاني يفيد من وجه واحد كما تقدم مع بسطه وتحرير أبحاثه (تحقيق) وجه إفادت (هما) التأكيد يجري ذلك التحقيق والتقدير (على قياس ما مر) أي : على الاعتبار والنظر لما مر في تأكيد المدح بما يشبه الذم كما أشرنا إليه وتقدم ما أغنى عن إعادة جميعه والاستدراك هنا كالاستثناء إذ الاستثناء المنقطع كالاستدراك ، فإذا قلت : فلان بخيل لكنه كاذب كان من تأكيد الذم بما يشبه المدح.
الاستتباع
(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (الاستتباع) أي النوع المسمى بالاستتباع (وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر كقوله : نهبت) (١) أي : أخذت على وجه القهر والاختطاف (من الأعمار ما لوحويته) أي : لو اشتمل عليه عمرك (لهنئت الدنيا) أي : لقيل للدنيا هنيئا لكي (بأنك) فيها (خالد) فمدلول الكلام بالذات هو أنه نهب أعمار من وصف تلك الأعمار أنه لو حواها صار بها خالدا في الدنيا ، ولما ذكر أن الدنيا تهنأ بذلك الخلود فهم أن فيه صلاح الدنيا فمدلول الكلام بالقصد الأول ، لأنه مقتضى النسبة الخبرية هو أنه (مدحه بالنهاية في الشجاعة) ؛ لأن اغتيال النفوس وأخذها قهرا إنما يكون بالشجاعة ولما وصف أعمار تلك النفوس بأنها لو اجتمعت لناهبها كانت خلودا دل ذلك على أن القتل ليس أمرا اتفاقيا يمكن لغير المتناهي في الشجاعة بل القتل عنده لما فيه من قوة الشجاعة صار متناولا حيثما أريد كتناول الأمور الطبيعية فلما جعل قتلاه بحيث يخلد وارث أعمارهم صار نهاية في الشجاعة ثم لما جعل خلود تهنأ به الدنيا كان المدح نهاية الشجاعة ، (على وجه) هو كون الخلود تهنأ به الدنيا (استتبع) أي استلزم (مدحه بكونه) أي : بكون الممدوح (سببا لصلاح الدنيا و) حسن (نظامها) ؛ لأن المراد بتهنئة الدنيا تهنئة أهلها فلو لم تكن
__________________
(١) البيت للمتنبي فى ديوانه (١ / ٢٧٧) ، وفى الإشارات ص (٢٨٤) ، والإيضاح ص (٣١٦).