قيل إنه لا جناس في الآية أصلا ؛ لأن لفظ الساعة في القيامة أطلق عليها مجازا لوقوعها في لحظة فسميت ساعة لملابستها للساعة واللفظ الحقيقي مع مجازيه لا يكون من التجنيس ، كما لو قيل : رأيت أسدا في الحمام وأسدا في الغابة ، وقد يجاب على تقدير تسليم أن لا جناس بين اللفظ الحقيقي ومجازيه بأن الساعة صارت حقيقة عرفية في القيامة ، ومثاله بين الفعلين أن يقال لما قال لديهم قال لهم. فالأول من القيلولة والثاني من القول ، وأما مثاله في الحرفين فلم يوجد إلا أن يكون في حرف بالنسبة لحقيقته ومجازه إن صح وقد تقدم البحث فيه.
(وإن كانا) أي اللفظان المتجانسان الجناس التام (من نوعين) وفيهما حينئذ ثلاثة أقسام أن يكونا اسما وفعلا وأن يكونا اسما وحرفا وأن يكونا حرفا وفعلا (سمى) ذلك الجناس الحاصل بين النوعين (مستوفى) لاستيفاء كل من اللفظين أوصاف الآخر فالأول وهو أن يكون الجناس بين اسم وفعل (كقوله :
ما مات من كرم الزمان) (١)
أي : ما ذهب عن أهل الوقت من كرم الزمان الماضي ، فسار كالميت في عدم ظهوره (فإنه) أي : فإن ذلك الميت من الكرم (يحيا) أي : يظهر كالحي (لدى) أي عند (يحيى بن عبد الله) البرمكي وهو من عظماء أهل الوزارة في الدولة العباسية ، فقد تم الجناس بين يحيا الأول وهو فعل ويحيى الثاني وهو اسم رجل كما علمت فيسمى مستوفى.
والثاني : وهو أن يكون بين اسم وحرف كأن يقال : رب رجل شرب رب آخر فرب الأول حرف جر والثاني اسم للمصير المعلوم.
والثالث : وهو أن يكون بين الحرف والفعل كقولك علا زيد على جميع أهله أي ارتفع عليهم ؛ فعلا الأولى فعل والثانية حرف.
__________________
(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (٣٢٤) ، وأسرار البلاغة ص (١٧) ، والتبيان ص (١٦٦) ، والإشارات ص (٢٩٠) ، والمصباح ص (١٨٤) ، والطراز (٢ / ٣٥٧) ، وشرح المرشدى (٢ / ١٤٠).