ثم أشار إلى النوع الرابع من أنواع الجناس وهو ما يشمل المضارع واللاحق فقال : (وإن اختلفا) أي : اللفظان المتجانسان والعطف في هذه الجملة كما تقدم في مثلها (في أنواعها) أي : أنواع الحروف والاختلاف في أنواع الحروف أن يشتمل كل من اللفظين على حرف لم يشتمل عليه الآخر من غير أن يكون مزيدا وإلا كان من الناقص كما تقدم (فيشترط) يعني : أن اللفظين إذا اختلفا في نوعية الحروف على الوجه المذكور فلا يكون الإتيان بهما من البديع الجناسي إلا بشرط هو (أن لا يقع) ذلك الاختلاف (بأكثر من حرف) واحد ، فإن وقع بأكثر من حرف كاثنين فأكثر لم يكن من التجنيس في شيء لبعد ما بينهما عن التشابه الجناسي ، وذلك ظاهر إذ لو لا ذلك لم يخل غالب الألفاظ من الجناس ، ويلزم أن يقدر عليه كل أحد ؛ لأن التشابه في حرف واحد مع الاختلاف في اثنين فأكثر كثير وذلك مثل نصر ونكل ، ومثل ضرب وفرق ، ومثل ضرب وسلب ، فالأولان اشتركا في الأول فقط ، والثانيان اشتركا في الوسط ، والثالثان اشتركا في الآخر ، وليس شيء من ذلك من التجنيس (ثم الحرفان) أي ثم هذا النوع قسمان كل منهما يسمى باسم مخصوص ، وذلك أن الحرفين المختلفين في اللفظين (إن كانا متقاربين) في المخرج كأن يكونا حلقيين معا ، أو شفويين معا (سمى) الجناس بين اللفظين اللذين كان الحرفان المتباينان فيهما متقاربين (مضارعا) ، وإنما سمى لمضارعة المباين في اللفظين لصاحبه في المخرج (وهو) أي : المضارع ثلاثة أقسام ؛ لأن الحرف الأجنبي أعني المباين لمقابله (إما) أن يوجد (في الأول) أي : في أول اللفظين ، وقد تقدم ما في نحو هذا من التسامح ، وإن الأول في الحقيقة هو الحرف (نحو) قول الحريري (بيني وبين كنى) بكسر الكاف أي : منزلي (ليل دامس) أي مظلم (وطريق طامس) أي مطموس العلامات لا يهتدي فيه إلى المراد ، فدامس ، وطامس بينهما تجنيس المضارعة ؛ لأن الطاء والدال المتباينتين متقاربتان في المخرج ؛ لأنهما من اللسان مع أصل الأسنان ، وقد وجدا أولا فكان الجناس بينهما قسما على حدة.