متقاربين ، ولكن كون هذا من اللاحق فيه نظر ؛ لأن التقارب في المخرج موجود بين الفاء والميم إذ هما شفويتان معا إلا أن الفاء من طرف الأسنان العليا مع باطن الشفة السفلى والميم من باطن الشفتين ولا يخرجهما ذلك عن كونهما شفويتين وقد يجاب بأن جناس التقارب لا يكفى حتى يوجد نوع خاص منه ؛ كأن يكون الحرفان من موضع واحد مع اختلاف ما وهنا افترق الموضعان لما علمت فالأولى لهذا البحث أن يمثل بنحو قوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(١) لأن الدال والهاء متباعدتان مخرجا ، إذ الأولى من اللسان مع أصول الأسنان والثانية من الحلق ، ولا يقال المراد بالتقارب ما يصح معه الإدغام لأنهم ذكروا من المتقاربين الهاء والهمزة ؛ لأنهما حلقيتان ولا إدغام بينهما.
(أو) يكون ذلك الحرف (في الآخر) أي : في آخر المتجانسين (نحو) قوله تعالى (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) (٢) فالأمر والأمن متفقان إلا في الراء والنون وهما متباعدتان مخرجا ؛ لأن الراء من شد اللسان على الحنك الباطني على وجه التكرار والنون من شده على ما يقرب الأسنان العليا وبه يعلم أن تباعد المحل واختلافه كاف في البعد ولو اشتركا في وجه ما كما اشترك الحرفان هنا في حركة اللسان إلى أعلى قيل وفي هذا نظر أيضا ؛ لأن النون والراء من حروف الذلاقة التي يجمعها قولك : مر بنفل ، وقد تقدم بيان ما في قوله في الأول والوسط والآخر من التسامح وأنه قصد بها أماكن متوهمة فأطلق عليها ما هو وصف الحرف إذ الحرف هو نفس الأول والوسط والآخر على ما يتبادر ، والخطب في ذلك سهل.
ثم أشار إلى النوع الخامس من أنواع التجنيس وهو تجنيس القلب فقال (وإن اختلفا) أي : وإن اختلف اللفظان المتجانسان (في ترتيبها) أي في ترتيب الحروف فقط ، وإنما يختلفان في ترتيب الحروف إذا اتحدا في النوع والعدد والهيئة ثم الاختلاف في الترتيب هو أن يقدم في أحد اللفظين بعض الحروف ويؤخر ذلك البعض في اللفظ
__________________
(١) العاديات : ٧ ، ٨.
(٢) النساء : ٨٣.