الأدب ولتعظيم القرآن وتنزيهه عن التصريح بما أصله في الحمام التي هي من الدواب العجم إذ السجع في أصله هو هدير الحمام ، ثم نقل لهذا المعنى فلا يصرح بوجوده في القرآن لما ذكر ولكونه من نغمات الكهنة في كثرة أصل إطلاقه أيضا وقيل إن العلة في أنه لا يقال في القرآن أن الشرع لم يرد فيه الإذن بإطلاقه وفيه نظر ؛ لأن الذي ذكروا أنه يتوقف على الإذن الشرعي هو تسميته تعالى باسم اتصف بمعناه فهذا هو الذي قيل فيه بالتوقف على الإذن الشرعي فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه من أسمائه الحسنى ، وأما نحو هذه الألقاب فلم يقل أحد بتوقف إطلاقها في القرآن على الإذن الشرعي مثل التجنيس والترصيع والقلب ونحو ذلك ، ورد بأن القرآن كلام الله فلا يسمى كله ولا جزؤه إلا بما لا إيهام فيه ولا نقصان قياسا على تسميته الذات ، والسجع هدير الحمام ونغمات الكهنة ففيه من النقصان ما يمنع من إطلاقه إلا بإذن ويؤيد هذا ما ورد في الحديث من النهي في قوله صلىاللهعليهوسلم" أسجعا كسجع الجاهلية" (١) فتأمله.
(بل يقال) للأسجاع في القرآن ، وأعني بالأسجاع هنا الكلم الأواخر من الفقر بناء على ما قال السكاكي من أن السجع يطلق على نفس الكلمة (فواصل) أي : الذي يقال في السجع باعتبار القرآن فواصل ولا تسمى باسم الأسجاع تأدبا كما تقدم ، ثم إن مقتضى ما تقدم اختصاص السجع بالنثر حيث قيل إنه في النثر كالقافية في الشعر ، وحيث قيل توافق الفاصلتين إذ الفاصلتان مخصوصتان في أصلهما بالنثر وحيث أطلقتا على ما في الشعر فتوسع (و) لكن (قيل في السجع غير مختص بالنثر) بل يكون فيه كما تقدم وفي النظم (ومثاله من النظم قوله تجلى به رشدي) (٢) أي : ظهر بهذا الممدوح رشدي أي بلوغي للمقاصد بإرشاده وإرفاده وهذه قرينة ذات سجعة في النظم (وأثرت به يدي) أي : صارت يدي بهذا الممدوح ذات ثروة أي كثرة مال لاكتسابها منه جاها وإعطاء ، وإنما قلنا : جاها ؛ لأن اكتساب المال بالجاه أعظم من اكتسابه بالإعطاء ؛ لأن
__________________
(١) رواه النسائى فى" القسامة" ، وأبو داود في" الديات".
(٢) البيت لأبى تمام فى شرح ديوانه ص (١١١) ، والمصباح ص (١٦٩) ، والإشارات (٣٠١) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٦٠) ، والعمدة (٢ / ٢٣).