الجاه يفيض على صاحبه من كل جانب وهذه قرينة أخرى في النظم بسجعتها (وفاض به ثمدي) أي : وفاض بالممدوح ثمدي أي مائي القليل إذ الثمد في الأصل هو الماء القليل وهذا الكلام عبارة عن كثرة المال فهذه قرينة بسجعتها كالتأكيد لما قبلها (وأوري به زندي) أي : وصار زندي بهذا الممدوح ذا وري وهذه أيضا سجعة ففي هذا البيت أربع سجعات موقوفة على الدال والورى خروج النار من الزند ويكنى به عن الظفر بالمقصود ؛ لأن الزند إذا لم يكن ذا وري لم ينل منه المراد وإذا كان ذا وري نيل منه ، فأوري على هذا فعل ماض وفاعله زندي فهو موافق لما قبله في كون فاعله غير ضمير المتكلم ، وأما ضبطه بضم الهمزة على أنه مضارع وفاعله ضمير المتكلم فتصحيف ويأباه الطبع أيضا ، والدليل على أنه تصحيف أمران أحدهما عدم مطابقته لما قبله في الفاعل في كونه من طريق الغيبة بسبب كونه ظاهرا فلم يجر الكلام على نمط واحد وجريانه مع إمكانه أنسب لبلاغة الشاعر ، والآخر أن العرف جرى بأن يقال : أوري أنا زندي ؛ على أن يكون المعنى أظفر بالمراد ، وأما إباية الطبع إياه فإن فيه الإيماء إلى ما ينافي المقام ؛ لأن فيه الإيماء إلى أن عنده أصل الظفر بالمراد ثم استعان بالممدوح حتى بلغ المقصود وكون زنده لا ورى له ثم صار بالممدوح ذا وري أنسب لمقام المدح من أنه يخرج نار زنده بإعانة الممدوح مع مباشرته الورى بالتسبب ، فالعبارة الأولى وهي أورى بصيغة المضي تقتضي أنه صار زنده ذا وري بعد انعدامه ، والثانية تقتضي أن له أصل الورى والتسبب وبلغ كماله بالممدوح ولا يخفى أن الأولى على هذا أنسب على أنه يتجه أن يقال معنى أوري على حذف مضاف أصير زندي ذا وري فيستوي الاعتباران في هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون وجه التصحيف وإباية الطبع الوجهان معا وهو أقرب من التكلف والتدقيق الذي لا يحتاج إليه والضمائر في تجلي به إلخ عائدة على نصر في البيت قبله وهو قوله :
سأحمد نصرا ما حييت وإنني |
لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد (١) |
__________________
(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (١١١).