وصف الممدوح في البيت بأنه ممن يعتصم بالله أي : يتحصن به تعالى ويتوكل عليه ، وينتقم ممن انتقم منه لله ، أي : لأجل أخذ حق الله من ذلك المنتقم منه ويرغب فيما عند الله ويرتقب من الله تعالى ثوابه ويرجوه أن يرفع عنه عذابه فهو خائف راج كما هو صفة المؤمنين.
الموازنة
(ومنه) أي ومن البديع اللفظي (الموازنة) أي النوع المسمى بالموازنة (وهي) أي : الموازنة (تساوي الفاصلتين) والمراد بالفاصلتين هنا ما يعم الفاصلتين في النثر فهما الكلمتان الأخيرتان فيما يعتبر مزاوجا لمقابله فيشمل الكلمتين الأخيرتين في الفقرتين والفقرتان من النثر جزما وهما المرادتان بالفاصلتين فيما تقدم ، وقد سبق أن ذلك الإطلاق هو الأكثر والأصل ويشمل الكلمتين الأخيرتين من المصراعين فعلم بهذا أن الموازنة تكون في النثر وفي النظم معا ؛ ويدل على ذلك الأمثلة الآتية (في الوزن دون التقفية) أي : الموازنة هي أن تتفق الفاصلتان في الوزن ولا يتفقا في القافية وقد تقدم أن المراد بالتقفية هنا حيثما أطلقت اتفاق مزدوجين في الحرف الأخير ولا يختص ذلك بالقافية الشعرية وذلك (نحو) قوله تعالى (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١) هذه فقرة (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (٢) هذه أخرى فالفاصلة في الفقرة الأولى مصفوفة وفي الثانية مبثوثة وهما متفقتان في الوزن الشعري دون التقفية ضرورة مخالفة الفاء في الأولى للثاء في الثانية ولا عبرة بهاء التأنيث في التقفية على ما تقرر ذلك في علم الشعر والتقفية هنا تابعة لذلك.
وقوله دون التقفية يحتمل أن يكون على ظاهره كما قررنا أي : يتفقان في الوزن ولا يتفقان في التقفية فيجب في الموازنة عدم الاتفاق في التقفية ، وعليه فالموازنة لا تصدق على نحو قوله تعالى (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٣) لوجود التوافق في التقفية وشرط في الموازنة عدم الاتفاق فيها وتباين اللوازم يقتضي تباين الملزومات
__________________
(١) الغاشية : ١٥.
(٢) الغاشية : ١٦.
(٣) الغاشية : ١٣ ، ١٤.