بناء على أن الموازنة تصدق على ما فيه التقفية كما تصدق على غيره (خص) هذا النوع من الموازنة وهو ما تساوى المتقابلات في قرينتيه أو جلها (باسم المماثلة) فقوله : خص جواب إن أي : إن كان ما في إحدى القرينتين مثل جميع المقابل أو مثل جله خص ما كان فيه ذلك باسم المماثلة فيقال هذه الموازنة مماثلة ، ثم الموازنة لا تختص بالنثر كما أشرنا إليه فيما تقدم بل تجري في الشعر خلافا لما توهمه بعضهم من اختصاصها بالنثر ؛ أخذا بظاهر قولهم هي تساوي الفاصلتين ؛ بناء على أن الفاصلتين يختصان بالنثر وقد تقدم أنهما قد يطلقان على ما في الشعر توسعا وخلافا لمن زعم اختصاصها بالشعر ، لأنه أنسب بوزنه باسم الموازنة ولما كانت توجد في القبيلين أعني الشعر والنثر أورد المصنف لهذا النوع منها مثالين مثال من النثر ومثال من الشعر فأشار إلى مثال النثر بقوله (نحو (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) (١) هذه قرينة (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) هذه مقابلتها فالكتاب من الأولى موازن للصراط من الثانية بخلاف آتيناهما وهديناهما فهذا مثال لما تساوى فيه الجل في الوزن ولم يوجد هنا التساوي في التقفية ومثال التساوي في الكل من النثر قوله تعالى ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم أشار إلى مثاله من النظم فقال (وقوله مها الوحش) (٣) أي : هي مها الوحش في سعة الأعين وسوادها وأهدابها وفي جمال أعضائها فالمها جمع مهاة وهي البقرة الوحشية (إلا أن هاتا) أي : لكن هؤلاء (أوانس) يأنس بهن العاشق دون الوحشيات فزدن في الفضل بهذا المعنى وهن أيضا (قنا الخط) في طول القد واستقامته والقنا جمع قناة وهي الرمح والخط موضع باليمامة ، وهو خط هجر تنسب إليه الرماح المستقيمة (إلا أن تلك) أي : تلك الرماح (ذوابل) جمع ذابل من الذبول ضد النعومة ففضلن الرماح بكونهن نواعم لا ذوابل ، فالنساء هؤلاء كمها الوحش وزدن بالأنس وكالقنا وزدن بالنضارة والنعومة ، فمها من المصراع الأول موازن للقنا من الثاني وأوانس من الأول موازن للذوابل من
__________________
(١) الصافات : ١١٧.
(٢) الصافات : ١١٨.
(٣) شرح عقود الجمان للمرشدي (٢ / ١٦٠) ، وهو لأبى تمام فى ديوانه ص (٢٢٦) ، والتبيان ص (١٧١).