الثاني وإلا أن فيهما متفق لكن هاتا في الأول وتلك في الثاني غير متوازنين فهذا مثال من الشعر لما تساوى فيه الجل ومثال ما تساوى فيه الكل قول أبي تمام :
فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا |
وأقدم لما لم يجد عنك مهربا (١) |
لا شك أن كل لفظ من المصراع الأول موازن لما يقابله من المصراع الثاني والمعنى أن هذا الأسد لما لم يجد فيك لفوتك عليه طمعا في تناولك فأحجم ولما عرف أنه لا ينجو منك أقدم دهشا ، فإقدامه تسليم منه لنفسه لعلمه بعدم النجاة لا للشجاعة وهذا النوع وهو تساوي الكل هو الأحسن والتزمه في أكثر مديحه بعض الشعراء كأبي الفرج الرومي من شعراء العجم فجل مديحه على المماثلة واقتفى أثره في ذلك الأنورى قيل : إن أكثر شعر الفرس على نمطه.
القلب
(ومنه) أي : ومن البديع اللفظي (القلب) أي النوع المسمى بالقلب وهو أن يكون الكلام بحيث لو عكست قراءته الأولى بأن بدأت بحرفه الأخير ثم بما يليه ثم بما يلي ما يليه وهكذا إلى الحرف الأول كان الحاصل من ذلك العكس هو هذا الكلام بعينه ، وهذا القلب يجري في النظم والنثر (كقوله) أي : ومثاله في النظم قوله :
(مودته تدوم لكل هول |
وهل كل مودته تدوم) (٢) |
ولا شك أنك لو بدأت بالميم الأخيرة من البيت وقرأت منه البيت إلى أوله لوجدت الحاصل هو الموجود أولا لكن مع تبديل بعض الحركات والسكنات وتخفيف ما شدد أولا وتشديد ما خفف أولا وكل ذلك لا يضر في القلب ، فإن الضبط فيه لا عبرة بما كان منه أولا ؛ لأن التغيير في القلب جائز حتى في قصر الممدود ومد المقصور وحذف الألف وتصييره همزة وتصيير الهمزة ألفا فكل ذلك يصح معه القلب وهذا في القلب الذي يكون في مجموع البيت ويلزم من كونه يرجع بالقراءة من الأخير إلى ما
__________________
(١) البيت للبحترى ، فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٠) ، والإيضاح ص (٣٣٥).
(٢) البيت للقاضى الأرجانى ، فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٣).