كناية أو مجازا أو من ركاكة حيث تكون حقيقة بألا يراعى فيها الاعتبار المناسب ، فتصير الألفاظ البديعية في تلك المعاني كغمد من ذهب ركب على سيف من خشب ، وقلائد الدر في أعناق الخنازير.
وإذا كان الواجب هو أن يكون المقصود بالذات الإتيان بألفاظ تطابق في دلالتها مقتضى الحال وتفيد معنى يناسب الواقعة الفعلية الخارجية ، فلا يشك أن الأحوال التي تساق لها المعنى لا تنضبط لكثرتها فبرعاية المعاني التي تناسب الوقائع على تفاصيلها فيه تظهر البلاغة والقوة ، والبراعة ، ويتبين الكامل من القاصر ، ولهذا يكون الإنسان له قدرة على إيجاد ألفاظ لمعان تحسن تلك الألفاظ في تلك المعاني بعد إيجادها فيها ، وفي أحوال تناسبها ، ولكن تلك الأحوال لم تقع بعد بل هي أمور فرضية فتصير رعاية الحال تابعة للحسن اللفظي لأن الحال المناسبة اجتلبت بعد الحسن اللفظي ، والواجب كون الحسن اللفظي تابعا لرعاية الحال الواقعة ، ومع ذلك لا تكون له قوة على إيجاد ألفاظ لمعان تطابق الحال الحاضرة ، والحالة الراهنة ، ولهذا لما رتب الحريري في ديوان الإنشاء أي : كلف إنشاء معان بألفاظ تطابق بتلك المعاني المدلولة مقتضى الحال وتكون مع ذلك مع بديعياتها عجز وقد كانت له قوة وكمال في إنشاء ألفاظ لمعان مع بديعاتها تناسب أحوال مقدرة تجتلب كما أراد فقال فيه ابن الخشاب حينئذ : الحريري رجل المقامات أي : رجل له قدرة على المعانى المستحسنة المطابقة للتقدير لا المعانى المطابقة للواقع لأن المقامات حكايات تقديرية فإذا رام إيجاد البديعيات مع المناسبة البلاغية تأتت له بفرض المستحيلات وفرض ما لم يقع وبين هذا وبين ما إذا أمر أن يكتب في قضية عينية واقعة ما يناسبها بون بعيد فإن هذا أخص يلزم من القدرة عليه القدرة على الأول دون العكس ؛ لأن الأول من كتابة ما يريد الإنسان ويخترعه وهو سهل التناول بالتجربة ، والثاني من كتابة ما يؤمر به وهو صعب إلا على الأقوياء ، ولهذا استحسن ما قيل في الترجيح بين الصاحب والصابي أن الصاحب يكتب كما يريد بتقديره والصابي يكتب كما يؤمر وقد عرفت أن بين الحالين بونا بعيدا ألا ترى إلى الصاحب ، فإنه طلب أن يجانس بين قم ـ الذي هو فعل أمر ـ وقم ـ الذي هو اسم