الإلمام والسلخ
ثم أشار إلى مقابل قوله وإن أخذ اللفظ كله أو بعضه مع تغيير لنظمه وهذا المقابل هو أن يأخذ المعنى وحده كله مع تغيير النظم من غير أن يأخذ اللفظ بعضا أو كلا ، وقد تقدم أن تغيير النظم بوجود غير الدلالة الأولى بحيث يقال هذا كلام وتركيب آخر ، سواء كانت الجملتان من جنس الشرطية مثلا أم لا فقال (وإن أخذ المعنى وحده) دون شيء من اللفظ (سمى) هذا الأخذ (إلماما) وهو في الأصل مصدر ألم بالمنزل إذا نزل به ، ويعبر به عن القصد إلى الشيء ، وسمى به هنا الآخر لنزوله بالمعنى وقصده إياه ، والتسمية يكفي فيها أدنى ملابسة.
(و) سمي أيضا (سلخا) لأنه سلخ المعنى عن اللفظ الأول كسلخ الشاة عن الجلد وكشطها عنه ، وذلك أن اللفظ يتوهم فيه كونه كاللباس للمعنى من جهة الاشتمال عليه بالدلالة ، فأخذ المعنى عنه ككشط الجلد عن صاحبه (وهو) أي : والكلام الذي تعلق هذا الأخذ بمعناه (ثلاثة أقسام كذلك) أي : كالكلام الذي يسمى الأخذ فيه إغارة ومسخا ، فهو أيضا إما أن يكون أبلغ من الأول المأخوذ منه ، أو يكون دونه في البلاغة ، أو يكون مثله فيها.
(أولها) أي : أول الأقسام الثلاثة ، وهو الذي يكون أبلغ من الأول (كقول : أبي تمام
هو الصنع إن يعجل فخير وإن يرث |
فللريث في بعض المواضع أنفع) (١) |
هذا الكلام الأول (وقول : أبي الطيب
ومن الخير بطء سيبك عني |
أسرع السحب في المسير الجهام) (٢) |
هذا الكلام الثاني فقد اشترك البيتان في أن تأخر العطاء يكون خيرا وأنفع ، ولكن بيت المتنبي فيه أجود ؛ لأنه زاده حسنا بضرب المثل له بالسحاب ، فكأنه دعوى بالدليل إذ كأنه يقول : العطاء كالسحاب فبطء السحاب في السير أكثر نفعا ، وسريعها
__________________
(١) البيت لأبى تمام فى عقود الجمان (٢ / ١٧٩) وفى شرح ديوانه ص (١٨١).
(٢) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (١ / ٢١٠) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩).