التي هي الإجمال ثم التفصيل موجودة في هذا الأخير مع زيادة إفادة حكمين ؛ لأن قوله : هو الصنع إن يعجل فخيرا إلخ يفيد إثبات الصنيعة وإثبات ذلك الصنع إن يعجل فكذا ، وإن يرث فكذا بخلاف ما لو جعل شأنيا.
وثانيها : أي : ثاني الأقسام الكائنة للكلام الذي فيه أخذ المعنى وحده وهو ما يكون أدنى من الكلام الأول المأخوذ منه في البلاغة (كقول البحتري : وإذا تألق) (١) أي : لمع (في الندى) أي : مجلس الاجتماع للتحدث (كلامه المصقول) أي : المنقح المصفى من كل ما يشينه (خلت) أي : حسبت (لسانه من عضبه) أي : من سيفه القاطع ، هذا الكلام الأول (وقول أبي الطيب كأن ألسنهم في النطق) (٢) أي : عند النطق (قد جعلت على رماحهم في الطعن) أي : عند الضرب بالقنا (خرصانا) مفعول ثان لجعلت ، وهو جمع خرص بضم الخاء وكسرها وهو سنان الرمح هذا هو الكلام الثاني ، ولا شك أن كلا منهما تضمن تشبيه اللسان بآلة الحرب في النفاذ والمضي ، وإن كانت الآلة المعتبرة في الأول السيف والآلة المعتبرة في الثاني الرمح ، ولكن بيت البحتري أجود ؛ لأنه نسب فيه التألق والصقالة للكلام ، وهما من لوازم السيف على حد ذكر المنية والأظفار ، فكان في كلامه استعارة بالكناية فيما يتعلق بالمشبه ، فازداد بهذا حسنا بخلاف كلام المتنبي ، مع أن في بيت المتنبي قبحا من جهة أخرى ، وهو أن المتبادر من كلامه أن ألسنهم قطعت وجعلت خرصانا ، وفيه من القبح ما لا يخفى ، وفي الأول أيضا الدلالة على التشبيه بفعل الظن ، وهو أقوى من الدلالة بكأن ، فإن قلت : ليس في كلام البحتري استعارة بالكناية ، وإنما فيه ترشيح بالتشبيه ؛ لأن المشبه بالسيف في الحقيقة هو الكلام لا اللسان ؛ لأن الموصوف بوجه الشبه وهو النفوذ والتأثير فيما يتعلق به هو الكلام لا اللسان ، قلت : على تقدير تسليمه يلزم أن يكون أجود من بيت المتنبي بترشيح التشبيه كما زعمت على أنا لا نسلم أن التشبيه ليس للسان ، بل هو باعتبار تلبسه بما يوجب التأثير والمضاء
__________________
(١) البيت للبحترى ، فى عقود الجمان (٢ / ١٧٩).
(٢) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (١ / ٢٢٨) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩).