في الأرواح ، كالسيف في تلبسه بما يوجب التأثير من الجذ ولا قطع ، ولا ينافي ذلك اعتبار الاستعارة بالكناية فيما تحقق به وجه الشبه ، وهو الكلام بنسبة لوازم السيف له.
(وثالثها) أي : وثالث الأقسام التي هي للكلام الذى فيه أخذ المعنى وحده ، وهو ما يكون مثل الأول المأخوذ منه في البلاغة (كقول) زياد (الأعرابي : ولم يك) (١) أي : الممدوح (أكثر الفتيان) أي : الأقران (ما لا ولكن كان) هذا الممدوح (أرحبهم) أي : أوسعهم (ذراعا) أي : أسخاهم ، يقال : فلان رحب الراحة ورحب الباع ورحب الذراع ، بمعنى أنه : سخي ، وهو مجاز مرسل من إطلاق اسم الملابس وهو سعة الذراع أو الباع الذي هو مقدار اليدين مع ما يتصلان به ، أو الراحة على كثرة المعطى ؛ لأن الراحة والذراع والباع بها يحصل المعطي عند قصد دفعه ، فإذا اتسع كثر ما يملؤه فلابست السعة الكثرة عند العطاء ، فأطلقت السعة على الكثرة بتلك الملابسة مع القرينة وهذا هو الكلام الأول ، (وقول أشجع : وليس) (٢) أي : الممدوح الذي هو جعفر بن يحيى (بأوسعهم) أي : بأوسع الملوك (في الغنى) أي : في المال (ولكن معروفه) أي : إحسانه (أوسع) من معروفهم ، وهذا هو الكلام الثاني ، فقد اتفق البيتان على أن الممدوح لم يزد على الأقران في المال ، ولكن فاقهم في الكرم وهما متماثلان ؛ إذ لم يختص أحدهما بفضيلة عن الآخر ، فكان الثاني أبعد من الذم كما تقدم في ثالث أقسام الأول ، ولكن لا يخفى أن الأول فاق الثاني في التعبير عن الكرم بطريق التجوز ، ولهذا قيل : إن معروفه لا يعجب ، وقيل : إن وجه كونه لا يعجب أن المعروف قد يعبر به عن الدبر ، فيقال : معروفه أوسع ، أي : الشيء المعروف منه كناية عن الدبر أوسع ، فاستهجن هذا التعبير لما عهد فيه من هذا المعنى ، ولا يخفى أن هذا التوجيه إنما يتجه إن صح الإخبار عن المعروف بقوله : أوسع مرادا به هذا المعنى على وجه الكثرة ، وإلا فلا يخفى فساده ؛ لوجود المعروف في الكلام البليغ ، ولا يعتريه الاستهجان بوجه تأمله.
ولما فرغ من الأخذ الظاهر وأقسامه شرع في غير الظاهر فقال.
__________________
(١) البيت لأبى زياد الأعرابى فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩) ، والإشارات ص (٣١٢).
(٢) البيت لأشجع بن عمرو السلمى فى الأغانى (١٨ / ٢٣٣) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩) ، والإشارات (٣١٢).