الأخذ غير الظاهر
(وأما) الأخذ (غير الظاهر ف) أقسام ، ولم يعددها إلى الأبلغ ، والأدنى المذموم ، والمساوي إلا بعد عن الذم ؛ لأن أقسام غير الظاهر كلها مقبولة من حيث ما أخذت ما لعدم ظهورها منه فإن اعتراها رد فمن جهة أخرى خارجة عن معنى الأخذ كما يفيد ذلك قوله فيما يأتي ، وأكثر هذه الأنواع يعني كلها مقبولة (منه) قسم هو (أن يتشابه المعنيان) أي : معنى البيت الأول المأخوذ منه ، ومعنى البيت الثاني المأخوذ بلا نقل (كقول جرير : فلا يمنعك من أرب) (١) أي : من حاجة تريدها عندهم (لحاهم) فاعل يمنع ، أي : يمنع أصحاب اللحى جمع لحية ؛ لأنهم في المعنى نساء ، وإن كانوا في الصورة رجالا ، فلا تمنعك صورتهم مع انتفاء المعنى الذي يقع به المنع ، ولذلك قال (سواء) منهم (ذو العمامة و) ذو (الخمار) يعني أن رجالهم ونساءهم متساوون في الضعف ، فلا مقاومة للرجال منهم على الدفع عن النساء منهم ، هذا هو البيت الأول (وقول أبي الطيب : ومن فى كفه منهم قناة) (٢) أي : رمح (كمن في كفه منهم خضاب) أي : صبغ الحناء هذا هو البيت الثاني ، وقد اشتبه البيتان في المعنى من جهة إفادة كل منهما أن الرجال لهم من الضعف مثل ما للنساء ، إلا أن الأول أفاد التساوي والثاني أتى بآلة التشبيه ، والأول عبر عن النساء بذوات الخمار وعن الرجال بذوي العمامة ، والثاني عبر عن النساء بذوات الخضاب وعن الرجال بذوي القناة في أكفهم ، والأول أيضا جعل ذلك التساوي علة للأمر بتناول الحوائج لديهم بخلاف الثاني ، فان قلت : قد تقدم في قسم الظاهر أنه لا يشترط فيه التساوي في المعنى من كل وجه ، ولا أن يوجد في المعنى المأخوذ لفظ المأخوذ منه ، وإنما يشترط الاتحاد في المعنى الحاصل في الجملة ، وإن كان بين القائلين اختلاف ما ، وهذا المثال لغير الظاهر ، كذلك لاشتراك البيتين ـ كما بينت ـ في الحاصل الذي هو كون الرجال لهم من الضعف مثل ما للنساء ، ولا يضر التعبير المخالف ولا مصاحبة شيء آخر كما في البيت الأول ، قلت : الفرق بين الظاهر وغيره
__________________
(١) البيت لجرير ، فى شرح ديوانه ص (١٤٧) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٨٠).
(٢) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (٢ / ١٣٧) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٨٠).