الفن الثاني علم البيان
قد تقدم أنه أخره عن علم المعانى ؛ لأن مفاد علم المعانى من مفاد البيان بمنزلة المفرد من المركب ، وإن شئت قلت : لأنه بالنسبة إليه ككيفية مع المكيف أو كخاص بعد عام.
وبيان الأول أن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة الذى هو مرجع علم البيان إنما يعتبر بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال التى هى مرجع علم المعانى ، وتوقف المراد من البيان على المراد من المعانى كتوقف الكل على الجزء ، وفيه نظر تقدمت الإشارة إليه ؛ لأن إيراد المعنى الواحد بطريق من الطرق التى يقبلها لا يستلزم المطابقة لذاته ، فلا توقف وإن أريد أن الإيراد لا عبرة به فى باب البلاغة إلا أن تكون معه مطابقة لمقتضى الحال بمراعاة أحوال الكلام المذكورة فى علم المعانى ، وإلا أن تكون فيه مطابقة بمراعاة كون ذلك الطريق نفسه مطابقا بأن يؤتى بالطريق الأوضح عند مناسبة الأوضح مثلا وبما دونه عند مناسبته مثلا ، فهذا لا يستفاد.
من البيان بل المعانى هو المفيد أن كل حال مناسب للمقام تجب مراعاته ، سواء كان طريق وضوح أو خفاء أو غير ذلك ، ولو استفيد منه كان من المعانى ، وعلى تقدير استفادة كون الطريق المأتى به لا بد أن يكون مطابقا من هذا الفن ، فمطابقته المذكورة فى المعانى حينئذ غير المطابقة المستفادة من البيان ، ولا توقف لأحدهما على الآخر ، بل المتبادر أن مفاد علم البيان هو الذى يتنزل من مفاد المعانى منزلة الجزء من الكل ؛ لأنه هو للاحتراز عن التعقيد المعنوى الذى تتحقق به الفصاحة التى هى جزء من البلاغة فليفهم.
وأما الثانى ؛ وهو كونه كيفية من المكيف ، فإن الدلالة على أصل المعنى بكلام مطابق لمقتضى الحال بأن يراعى فيها الأحوال المناسبة المذكورة فى علم المعانى يعرض فى تلك الدلالة مفاد علم البيان ، وهو كونها بطريق مخصوص دون آخر مما ليس فيه التعقيد ، وهذا قريب ، غير أن تلك الكيفية لا تتميز ، فى الحقيقة عن المطابقة لأنها لا بد