الشبيبة والفتوة إلى مديح وبالعكس ، وإلى هجاء وافتخار ونحو ذلك وبالعكس ، ونقل المعنى من بعض الثلاثة الأخيرة إلى آخر وبالعكس ، وذلك يمكن من الشاعر الحاذق عند قصد اختلاس المعنى وإخفائه ؛ فيحتال فيه حتى ينظمه على غير نوعه الأول وعلى غير وزنه وقافيته ، فيدخل في غير الظاهر على هذا ما نقل من نوع إلى غيره سواء كان المنقول عنه وإليه مما ذكر أو من غير ذلك.
وإلى هذا القسم ـ وهو المنقول من محل إلى آخر مطلقا ـ أشار بقوله (ومنه) أي : من غير الظاهر (أن ينقل المعنى إلى محل آخر) بأن يكون المعنى وصفا ، والمنقول إليه موصوف ، وقد كان في المنقول وصفا على جهة أخرى (كقول البحتري : سلبوا) (١) ثيابهم (وأشرقت الدماء) أي : ظهرت الدماء (عليهم) ملابسة لإشراق شعاع الشمس (محمرة) وزاد محمرة لنفي ما يتوهم من غلبة الإشراق عليها حتى تصير بلون الإشراق البياض (ف) لما ستروا بالدماء بعد سلبهم صاروا (كأنهم لم يسلبوا) لأن الدماء المشرقة عليهم صارت ساترة لهم كاللباس المعلوم ، هذا هو المنقول عنه المعنى (وقول أبي الطيب : يبس النجيع) (٢) أي : الدم المائل إلى السواد (عليه) أي : على السيف (وهو) أي : السيف (مجرد عن غمده) أي : والحال أن السيف خارج عن الغمد (ف) صار السيف لما ستر بالنجيع الذي له شبه بلون الغمد (كأنما هو مغمد) أي : مجعول في غمده لستره بالنجيع ، كما يستره الغمد ، هذا هو المنقول فيه المعنى ، فالكلام الأول في القتلى وصفهم بأن الدماء سترتهم كاللباس ، ونقل هذا المعنى إلى موصوف آخر وهو السيف ، فوصفه بأنه ستره الدم كستر الغمد ، فإن قلت : النقل فيه تشابه المعنيين أيضا ، ضرورة أن في كل من البيتين الدلالة على ستر الشيء بعد تجرده ، فلم جعل هذا القسم من غير الظاهر مطلقا ، ولم يجعل من قسمه الذي هو تشابه المعنيين قلت فرق بين التشابه بلا نقل كما في قوله :
__________________
(١) البيت للبحترى ، فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٨٠) ، والإشارات (٣١٣) ، والإيضاح (٣٤٧).
(٢) البيت للمتنبي ، فى ديوانه (١ / ٣٣٧) ، والإشارات (٣١٣).