والواو في : وأحب فيه ملامة يحتمل أن تكون واو الحال من غير تقدير المبتدأ على مذهب من يجوز موالاة المضارع المثبت واو الحال ، أو بتقدير المبتدأ على مذهب من لا يجوز ، أي : كيف أحبه مع حبي فيه الملامة ، فالمنكر في الحقيقة هو مصاحبة تلك الحال لا كونه يحبه ، مع مفارقة حبه لمضمون هذه الحال ، كما يقال : أتصلى وأنت محدث؟ فالمنكر هو وقوع الصلاة مع الحدث لا وقوع الصلاة من حيث هي ، وكما نقول أتتكلم وأنت بين يدي الأمير؟ فالمنكر هو كونه يتكلم مع كونه بين يدي الأمير ، ويحتمل أن تكون تلك الواو للعطف ، والعطف بالواو وإن كان لا يقتضي المعية ، لكن يقتضي الاجتماع في الحكم ، فحبه وحب اللوم فيه يقتضي عطف أحدهم على الآخر ، اجتماعهما في الوقوع من شخص واحد وهو الحكم ، وهذا الاجتماع هو محط الإنكار أي : كيف يجتمع حبه وحب اللوم في الوقوع منى؟ وهذا النوع الأحسن فيه بيان العلة ، بل لا بد فيه من بيانها ؛ لأنه إن لم يبينها فهو دعوى للنقض بلا بينة ، وهو غير مسموع ، فلو قال هنا : أأحبه وأحب فيه ملامة ، كان دعوى لعدم الصحة بلا دليل ولا يفيد ، بل الكلام المنقوض ينبغي فيه بيان العلة أيضا ؛ لأن هذا المنزع أخرج لباب المعارضة والإبطال ، وهو يفتقر لدليل التصحيح والإبطال ، فناسب الإتيان بالعلة من الطرفين ، فلا بد منها إلا أن تكون ظاهرة كقول أبي تمام :
ونغمة معتف جدواه أحلى |
على أذنيه من نغم السماع (١) |
والمعتفي الطالب ، والجدوى النفع ، والسماع أريد به ما يحسن سماعه كالعود ، ومعنى البيت أن هذا الممدوح لفرط محبته للكرم والإعطاء تصير عنده نغمة السائل لحب سؤاله لإعطائه أحلى من نغمات العود ونحوه ، وهذا الحكم علته ظاهرة ، وهى حب الإعطاء والكرم ، فإنه هو السبب في كون نغمة السائل كنغمة العود ، وقد ناقضه المتنبي بقوله :
والجراحات عنده نغمات |
سبقت قبل سيبه بسؤال (٢) |
__________________
(١) البيت لأبى تمام ، فى الإيضاح ص (٣٤٨) ، وشرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٨٠).
(٢) البيت للمتنبى ، فى الإيضاح ص (٣٤٨) ، وشرح المرشدى (٢ / ١٨٠).