(أقامت) تلك العقبان (مع الرايات) أي : الأعلام وثوقا بأنها ستطعم لحوم القتلى ثانيا أو ابتداء على التقديرين (حتى كأنها* من الجيش) أي : لزمن الرايات ، حتى صارت من شدة اختلاطها برؤوس الرماح والأعلام من أفراد الجيش ، ومن أجزائه فلما صارت كأنها من أفراد الجيش حسن أن يقدر أنها أعانت الجيش وقاتلت معه فلذلك استدرك فقال (إلا أنها لم تقاتل) أي : لكنها لم تباشر القتال ، ثم بين ما أسقطه أبو تمام من المعنى الكائن في البيت المأخوذ منه ، وما زاده فحسن به أتى به من ذلك المعنى بقوله (فإن أبا تمام) أي : إنما كان كلام أبي تمام بالنسبة لكلام غيره السابق مما ذكرناه لان أبا تمام (لم يلم) أي : لم ينزل ولم يأت (بشيء من معنى قول الأفوه : رأي عين) الدال على كمال قرب الطير من الجيش بحيث ترى عيانا لا أنها ترى على سبيل التخيل ، بأن يكون ثم من البعد ما يوجب الشك في المرئي هل رئي أم لا؟ أو يوجب عدم الإبصار فيعود معنى الرؤية إلى ظن الوجود ، أو تيقنه.
وكون الطيور قريبة بحيث ترى معاينة يدل على أن كمال شجاعتهم وقتلهم للأعادي عادة مستمرة ، حتى صارت الطيور عند التوجه تتيقن ذلك ، وتهوى إلى قرب النزول ؛ لأن ما سيحصل عندها لاعتياده كالحاصل ، ولا ألم بشيء من معنى قوله ثقة أن ستمار الدال على مثل ما دل عليه رأي عين بل هذا أصرح في الدلالة ؛ لأن قربها بحيث ترى أنها هو للثقة بالميرة ، والثقة لاعتياد ذلك ، وكونه معتادا يدل على كمال الشجاعة والجراءة على القتل ، فكلا المعنيين يؤكد المقصود الذي هو الوصف بالشجاعة ويفيده ، واعترض قول المصنف أن أبا تمام لم يلم بمعنى رأي عين بأن قوله ظللت بعقبان طير ، يفيد قرب الطير من الأعلام ولذلك وقع ظلها عليها ، إذ لو بعدت عن الجيش ما وقع ظلها على الرايات ، ورد بأن وقوع الظل لا يستلزم القرب بدليل أن الظل للطير يمر بالأرض أو غيرها ويحسن ، وإن كان الطير في الجو بحيث لا يرى.
والحق أن وقوع الظل لا يستلزم القرب كما قيل : لصحة أن يبعد الطير في الجو ويظهر ظله ، وأما عدم استلزامه للرؤية فمحل نظر ؛ لأن الظل يضمحل بالبعد الكثير الذي يوجب عدم الرؤية ؛ ولذلك لم تحفظ رؤية الظل من غير رؤية صاحبه.