وعلى هذا إذا كانت رؤية العين لا تستلزم القرب المفرط استوى المعنيان ، واعترض أيضا بأن قوله : حتى كأنها من الجيش ، قد يقال إن فيه إلماما بمعنى قوله رأي عين فإنها إنما تكون من الجيش إذا كانت قريبة منهم مختلطة معهم ، وإلا فالمنفصل عن الشيء البعيد عنه لا يعد من أفراده ، ويزيد هذا تأكيدا قوله : أقامت مع الرايات ؛ لأن صحبة الرايات في المكانية تستلزم القرب ، فلو جزم بأنه إلمام بمعنى رأي العين كان صوابا.
(ولكن) أي : أن أبا تمام لم يلم بشيء مما ذكر ، ولكنه (زاد عليه) أي : على الأفوه زيادة محسنة للمعنى المأخوذ من الأفوه وهو تساير الطير على آثارهم ، ووجودها معهم عند الزحف وفي وقته (بقوله) أي : زاد عليه بأمور ثلاثة أحدها قوله (إلا أنها لم تقاتل وبقوله) أي : وثانيها قوله (في الدماء نواهل وبإقامتها) أي : وثالثها قوله : أقامت (مع الرايات حتى كأنها من الجيش وبها) أي : وبهذه الزيادة الأخيرة من كلام المصنف وهي إقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش (يتم حسن) القول (الأول) في كلام المصنف أيضا وهو قوله إلا أنها لم تقاتل لأنه لو لم يقل أقامت مع الرايات حتى كأنها من الجيش بل قال :
لقد ظللت عقبان أعلامه ضحى |
بعقبان طير في الدماء نواهل |
ثم قال إلا أنها لم تقاتل لم يحسن ، وكذا لو قال : أقامت مع الرايات إلا أنها لم تقاتل لم يحسن ؛ لأن الاستدراك إنما يحسن فيما من شأنه أن يتوهم فيه خلاف المستدرك ، والذي يتوهم معه خلاف المستدرك مما ذكر هنا هو أنها أقامت مع الرايات حتى صارت معدودة من الجيش مظنونة منه ، بناء على أن كأن في قوله : كأنها من الجيش لظن الوقوع ، ويكون ادعائيا هنا أو أنها شبيهة بأفراد الجيش بناء أن كأن للتشبيه أي : كأنها فرد من أفراد الجيش ، فيحسن توهم كونها تقاتل ، حيث ظنت من الجيش ، أو حيث شبهت بفرد من أفراده ، إذ من جملة ما يحتمل من أوجه الشبه كونها مقاتلة وقد تقدمت الإشارة لهذا.