فائدة لزيادة قولك إثر ما تقدم من الأبيات : هذا هو الأول المأخوذ منه ، وهذا هو الثاني المأخوذ ونحو هذا مما تقدم فإنه معلوم أن الأول أول ، والثاني ثان؟ قلت : المراد بيان أنه الأول في نفس الأمر ، والثاني في نفس الأمر ، ولا يلزم من كونه أول في الكلام أو ثانيا كونه كذلك في نفس الأمر ، وإن كان ذلك يؤخذ بطريق المناسبة ، والخطب سهل ، لأن هذا الكتاب مبنى على قصد كمال البيان. والله الموفق بمنه وكرمه.
(وأكثر هذه الأنواع) المذكورة لغير الظاهر (ونحوها) أي : ونحو هذه الأنواع (مقبولة) لما فيها من نوع تصرف ، والظاهر أن نحوها معطوف على هذه أي : وأكثر نحو هذه الأنواع مقبول وهذا الكلام يقتضي أن من هذه الأنواع ما هو غير مقبول وإن من نحو هذه الأنواع ما هو غير مقبول أيضا ، وتعليلهم المقبول بوجود نوع تصرف فيه يقتضي قبول جميع أنواع غير الظاهر ، أعنى ما ذكر منها ، وما هو نحو ما ذكر ، ويؤيد ذلك أن الظاهر يقبل بالتصرف فكيف بغير الظاهر ، ولا يقال لا يلزم من خفاء الأخذ حسن الكلام ؛ لصحة قبحه من عدم استكماله شروط البلاغة أو الحسن لأنا نقول : كلامنا فيما يوجب القبول باعتبار المأخوذ منه احترازا مما ظهر أنه سرقة ، وأقسام غير الظاهر كلها كذلك ، وعروض عدم القبول من جهة أخرى لا بحث لنا عنه الآن وبهذا يعلم أن الأولى أن يقال : إن هذه الأنواع ونحوها مقبولة ، وكون التعبير بالكثرة لاعتبار ما يعرض من الرد العارض فيه ضعف ؛ لما ذكرنا أنه لا بحث لنا عن ذلك الآن.
حسن التصرف
(ومنها) أي : ومن هذه الأنواع التي تنسب لغير الظاهر مطلقا لا بقيد كونها مذكورة (ما أخرجه حسن التصرف) الواقع من حذق الآخر ، ومعرفته كيفية التعيين (من قبيل الاتباع إلى حيز الابتداع) فإن حسن الصنعة يصير المصنوع غير أصله حتى في المحسوسات ، فإن الشيء كلما ازدادت فيه لطائف وأوصاف كان أقرب إلى الخروج عن الأصل والجنس ألا يرى إلى الجوهر مع الحجر ، والمسك مع الدم (وكل ما كان) الكلام المأخوذ من غيره (أشد خفاء) من مأخوذ آخر ، وذلك بأن يكسى من التصرف وإدخال اللطائف ما أوجب كونه لا يفهم أنه مما أخذ منه ، وأن أصله ذلك المأخوذ منه