التلميح
(وأما التلميح) من الألقاب السابقة (فهو) أي : فمعناه (أن يشار إلى قصة أو شعر) أو مثل سائر في الناس (من غير ذكره) أي : من غير أن يذكر المشار إليه بنفسه ومن غير استقصائه ، ولكن يشار إليه إشارة يفهم بها من قوة الكلام ومن القرائن المشتمل عليها الكلام ، وفهم الشيء من قوة الكلام ، وقرائنه هو الفهم بفحوى الكلام ، فالإشارة إلى ما ذكر بالتصريح بل بالفحوى مع ذكر شيء منه أو كله ، ويتضح ذلك بالأمثلة ، وهذا أعنى : التلميح ، مأخوذ من لمح بتقديم اللام إذا نظر ، وكأن الشاعر أو الكاتب نظر إلى المشار إليه وراعاه ، ولذلك تسمعهم يقولون : لمح فلان هذا البيت فقال كذا ، وفي هذا البيت تلميح إلى قول فلان بتقديم اللام ، ولما كان التلميح بتقديم اللام في هذا المعنى مما يستملح ويستحسن ، فهو من الإتيان بشيء مليح ، توهم بعضهم أنه بتقديم الميم ، وأنه من ملح الشاعر بتشديد اللام إذا أتى بشيء مليح وهو سهو نشأ من توهم اتحاد الأعم بالأخص ؛ لأن الإتيان بالشيء المليح أعم من التلميح الذي هو النظر إلى شعر أو قصة أو مثل ، فيشار إليه بفحوى الكلام ، فمن جزم بأنه بتقديم الميم وتمذهب بذلك تبعا لغيره فهو غالط ، والسبب ما ذكر ، وإذا علم أن المشار إليه في التلميح ثلاثة أشياء القصة والشعر والمثل ، والمشار من جهته إما نظم أو نثر صارت أقسامه ستة من ضرب اثنين في ثلاثة ، والمذكور في الكتاب مثالان ، مثال التلميح في النظم إلى القصة ، ومثاله في النظم إلى الشعر ، وسنمثل بباقي الأمثلة ، فأشار إلى مثاله في النظم إلى القصة فقال (كقوله) أي : كقول أبي تمام :
لحقنا بأخراهم وقد حوم الهوى |
قلوبا عهدنا طيرها وهى وقع |
|
فردت علينا الشمس والليل راغم |
بشمس لهم من جانب الخدر تطلع |
|
نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى |
لبهجتها ثوب السماء المجزع |
|
(فو الله ما أدرى أأحلام نائم |
ألمت بنا أم كان في الركب يوشع) (١) |
__________________
(١) الأبيات لأبى تمام فى ديوانه ص (١٧٨) ، ط دار الكتب العلمية ، ومطلعها :
أما إنه لو لا الخليط المودع |
وربع خلا منه مصيف ومربع |