تكون رعاية الحسن في هذه المواضع من رعاية الحسن الذاتي ، فلا يكون هذا الحسن من البديع ، فلا يكون هذا الفصل من الخاتمة التي هي من البديع.
(قلت) إذا كان المعنى : أنه ينبغي أن تراعى الزيادة في الحسن سواء كان ذلك الحسن ذاتيا أم لا ، كان المنبه عليه في هذا الفصل هو القدر الزائد على أصل الواجب ، والزائد ليس بأمر لازم فهو من البديع فافهم.
(و) حتى تكون تلك المواضع الثلاثة (أصح معنى) أي : أزيد في صحة المعنى ، فبرعاية الزيادة كان من هذا الباب ، وإلا فصحة المعنى لا بد منها في كل شيء ، وصحة المعنى تحصل بالسلامة من التناقض والسلامة من الامتناع والبطلان والسلامة ، من الابتذال الذي هو في معنى الفساد ؛ حيث لا يطابق ، والسلامة من مخالفة العرف ؛ لأن مخالفة العرف البليغي كالغرابة المخلة بالفصاحة أو هي نفسها ، ونحو ذلك كالسلامة من عدم المطابقة لمقتضى حال المخاطب ، وقد عرفت أن صحة المعنى بهذا الاعتبار داخل فيما قبله ، وبه علم أن هذه الأوصاف أعنى : عذوبة اللفظ ، وحسن السبك برعاية مقتضى الفصاحة ، وصحة المعنى برعاية مقتضى البلاغة ، ولا تخفى أوجه مناسبتها فكان لكل وصف معنى مخالف للآخر ؛ والخطب في ذلك سهل.
ثم بين المواضع الثلاثة التي ينبغي أن يعتنى بها فيما ذكر أكثر بقوله.
الابتداء
(أحدها) أي : أحد تلك المواضع (الابتداء) لأنه أول ما يقرع السمع ، فإن كان عذبا حسن السبك صحيح المعنى أقبل السامع على الكلام ، فوعى جميعه ؛ لانسياق النفس إليه ورغبتها فيه من حسنه الأول واستصحابه لذة المذاق السابق ، وإلا يكن الابتداء حسن السبك عذبا صحيح المعنى نافره السمع بالمقابلة الأولى ، فيعرض عنه جملة ، وإن كان الباقي من الكلام حسنا ؛ لأن السمع قاطعه الابتداء القبيح ، وهذا أمر تجريبى والابتداء الحسن في تذكار المنازل والأحبة (ك) ما في (قوله) أي : امرئ القيس :
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
بسقط اللوى بين الدخول فحومل) |