براعة الاستهلال
(وأحسنه) أي : أحسن الابتداء (ما ناسب المقصود) أي : والمناسبة تحصل باشتمال الابتداء على ما يشعر في الجملة بما سيق الكلام من أجله ، فإذا سيق مثلا لبيان علم من العلوم كالفقه ؛ فاشتمال ابتدائه على ما يشعر بأفعال المكلفين وأحكامها هو من أحسن الابتداء.
(ويسمى) كون الكلام مناسبا للمقصود ، أو الكلام بنفسه المناسب للمقصود (براعة الاستهلال) والاستهلال في الأصل أول ظهور الهلال ، ثم استعمل في مطلق افتتاح الشيء ، والبراعة : مصدر برع الرجل بضم الراء وفتحها إذا فاق أقرانه في العلم أو غيره ، فإضافة البراعة إلى الاستهلال على معنى الملابسة أي : البراعة الحاصلة من الشاعر أو الكاتب الملابسة للاستهلال أي : لابتداء الكلام ، وتلك البراعة التي هي مناسبة الكلام هي (كما) في (قوله في التهنئة) التي هي إيجاد كلام يزيد سرورا بمفروح به :
(بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا |
وكوكب المجد في أفق العلا صعدا) (١) |
وهو مطلع قصيدة لأبي محمد الخازن يهنئ الصاحب بولد لابنته ، وإنما كان عن البراعة ؛ لأنه يشعر بأن ثم أمرا مسرورا به ، وأنه أمر حدث ، وهو رفيع في نفسه يهنأ به ، ويبشر من سر به ، ففيه الإيماء إلى التهنئة والبشرى التي هي المقصود من القصيدة ، وكذا قول أبي الطيب في التهنئة بزوال المرض :
المجد عوفي إذ عوفيت والكرم |
وزال عنك إلى أعدائك السقم (٢) |
(و) كما في (قوله في المرثية : هي) (٣) أي : القصة التي تتلى هي هذه وهي قوله (الدنيا تقول بملء فيها) والملء بكسر الميم ما يملأ الشيء ، والمعنى أنها تقول ذلك جهرة بلا خفاء ؛ لأن ملء الكلام الفم يشعر بظهوره ، والجهر به بخلاف الخفي ، ففي
__________________
(١) البيت لمحمد بن الخازن يهنئ الصاحب بولد لابنته ، انظر شرح عقود الجمان (٢ / ١٩٥).
(٢) مطلع قصيدة للمتنبى فى ديوانه (٢ / ١١٧) ، ط دار الكتب العلمية.
(٣) البيت لأبى الفرج الساوى ، انظر شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٩٦).