يكتسب الإنسان قوة لاستعمال ما يريد كما يصع البلغاء ، فلا معنى لتعريفه بما ذكر ؛ إذ هو تعريف بلازم غير محقق اللزوم خفى ، ولو جاز لجاز تعريف النحو بعلم اللغة ، إذ ربما حمل على طلب معانى الألفاظ اللغوية من الأفعال وغيرها ، وهو فاسد ، وإن أريد أن هذا الفن يذكر فيه كل معنى يدخل تحت القصد وبين أنه يورد بهذه التراكيب المختلفة مثلا ، فهذا لا يصح ، إذ غاية ما ذكر فى الفن ـ كما أشرنا إليه ـ حقيقة التشبيه وأقسامه والمقبول منه وغيره ، وكذا المجاز والكناية تذكر حقيقة كل منهما وشروطه والمقبول وغيره ؛ ليحترز بذلك عن التعقيد المعنوى الذى يشتمل عليه غير المقبول ، وهذا البحث مما لم يظهر جوابه بعد فليتأمل ، ثم لما اشتمل التعريف على ما يفيد أن التراكيب اللفظية تختلف دلالتها على المعنى وضوحا وخفاء أراد أن ينبه على أن الدلالة اللفظية الوضعية لا تحتمل كلها للوضوح والخفاء ، حتى يجرى الإيراد المذكور فى جميعها ، بل منها ما يقبل ذلك الاختلاف ، ومنها ما لا يقبله ؛ تحريرا لمحمل البحث وتحقيقا لمحل ذلك الإيراد لئلا يتوهم جريانه فى جميع أقسام الدلالة الوضعية ، فمهد لذلك تقسيمها فقال : (ودلالة اللفظ) ، يعنى دلالته الوضعية وذلك بأن يكون للوضع مدخل فيها ؛ سواء كان نفس العلم بالوضع كافيا فيها ، أو لا بد معه من انتقال عقلى ؛ لأن الدلالة هى كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، والأول الدال ، والثانى المدلول ، ثم الدال إن كان لفظا ؛ فالدلالة لفظية ، وإلا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقد والإشارات والنصب ، ثم الدلالة اللفظية إما أن يكون للوضع مدخل فيها أو لا ، فالأولى هى المقصودة بالنظر ههنا ، وهى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الإطلاق بالنسبة إلى العالم بوضعه ، وهذه الدالة تنقسم إلى ثلاثة أقسام ؛ لأنها (إما) دلالة (على تمام) ، أى : مجموع (ما وضع له) اللفظ كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق ، فإن لفظ الإنسان وضع لمجموع الجزأين ، أعنى الحيوان الناطق (أو) دلالة (على جزئه) ، أى : جزء تمام ما وضع له اللفظ كدلالة لفظ الإنسان على الحيوان فقط ، أو على الناطق فقط ، فإن كلا منهما جزء من الموضوع له (أو) دلالة (على) معنى (خارج عنه) ، أى : خارج عن تمام ما وضع له اللفظ كدلالة لفظ الإنسان على معنى الضاحك ، فإنها دلالة على