بعد ذكر أهل الجنة (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) (١) فالانتقال معه اقتضاب ؛ لأن ما بعده لم يربط بالمناسبة بينه وبين ما قبله ، ولكن فيه نوع ارتباط ، وقد تقدم أن مجرد الربط هو وجه المشابهة في أما بعد ، وكذلك هنا ، ووجه الارتباط أن الواو للحال في قوله : (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) فقد أفاد الكلام بمعونة اسم الإشارة المصحح للحالية ؛ لأن فيه رائحة الفعل أن ما بعده واقع في صحبة ما قبله ، فكان فيه ارتباط أشبه التخلص ، ولفظ هذا إما أنه خبر مبتدأ محذوف (أي : الأمر) الذي يتلى عليكم هو (هذا) والحال أن كذا وكذا واقع ، وصاحب الحال هو المشار إليه وهو معنى الخبر أو المبتدأ ؛ لأنه مشار إليه في المعنى (أو) هو مبتدأ محذوف الخبر أي : (هذا كما ذكر) والحال كذا وكذا ، وصاحب الحال هو المشار إليه وهو مصدوق المبتدأ.
(و) قد يكون الخبر في مثل هذا التركيب مذكورا مثل (قوله تعالى) بعد ذكره جمعا من الأنبياء على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسّلام ، وأراد أن يذكر بعد ذلك الجنة وأهلها (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (٢) فأثبت الخبر بعد لفظ هذا الذي يساق للانتقال ، وصاحب الحال هو المشار إليه الذي هو معنى المبتدأ ؛ لوجود الإشارة التي فيها رائحة الفعل ، وذكر الخبر في هذا التركيب يشعر بأنه هو المحذوف في نظيره ، وهو قوله تعالى : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) لأن الذكر يفسر الحذف في النظير ، فلفظ هذا فيما تقدم على هذا مبتدأ محذوف الخبر ، قال ابن الأثير : لفظ هذا في هذا المقام أي : في مقام الانتقال من غرض إلى آخر هو من الفصل الذي هو أحسن من الوصل ، يعنى هو مما يفصل به بين كلامين فصلا هو أحسن عند البلغاء من حسن التخلص الذي هو الوصل بالمناسبة ، قال : وهى أي : لفظة هذا علاقة أكيدة أي : وصلة بين المتقدم والمتأخر يتأكد الإتيان بها بين الخروج من كلام إلى كلام آخر ، ومما يدل على أنها أحسن من التخلص وقوع الانتقال بها كثيرا في الكلام المعجز ، وأيضا الربط بها
__________________
(١) ص : ٥٥.
(٢) ص : ٤٩.