إنما هو على وجه الحالية الحقيقية ، وهي مطردة بخلاف الربط بالمناسبة كالجوابية في قوله :
فقلت كلا ولكن مطلع الجود
وكالتشبيه في قوله :
وبدا الصباح كأن غرته |
وجه الخليفة حين يمتدح |
فقد لا يخلو من تمحل ، وعدم مطابقة ما في نفس الأمر.
(ومنه) أي : من الاقتضاب القريب من التخلص (قول الكاتب) أي : الناثر ؛ إذ الكاتب هو مقابل الشاعر عند إرادته الانتقال من حديث إلى آخر (هذا باب) في كذا ؛ لأنه ترجمة على ما بعده ، ويفيد أنه انتقل من غرض إلى آخر ، وإلا لم يحتج للتبويب ، فلما كان فيه التنبيه على أنه أراد الانتقال لم يكن الإتيان بما بعده بغتة فكان فيه ارتباط ما ، وقد تقدم أن الربط بالمناسبة وجدت فيه البغتة أيضا ؛ لأن المأتي به بغت ما هو فيه ، لكن بمناسبة فعلية ، يقال : نفي البغتة لا يكفي في الربط على أنه أراد الانتقال من شيء إلى غيره يتضمن الجمع بين الشيئين في ذكرهما ، فهو نوع من (مطلق الارتباط) وقد يجاب بأن الكلام الذي فيه الربط بالمناسبة لا بغتة فيه أصلا ؛ لأن البغتة هي مجيء ما لا يرتقب ولا يناسب وإنما زدنا في تقييد البغتة ما لا يناسب ؛ لأن المناسبة تقضى أن الثاني من طريق الأول ومن نمطه فلم يفجأ النفس ما هو بعيد عن نمط الارتقاب. تأمله ، فإن فيه دقة.
ومن هذا القبيل لفظه أيضا عند الفراغ من غرض وأريد الإتيان بغرض آخر ؛ لأنه يشعر بأن الثاني يرجع به على المتقدم ، وهذا المعنى فيه ربط في الجملة بين السابق واللاحق ولم يؤت بالثاني فجأة.
الانتهاء
(وثالثها) أي : وثالث المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها (الانتهاء) أي : انتهاء القصيدة أو الرسالة أو الخطبة ؛ لأن الانتهاء آخر ما يفهمه السامع ويحفظه من القصيدة أو الخطبة أو الرسالة ويرتسم في نفسه ، فإن كان ذلك الانتهاء مختارا حسنا تلقاه بغاية القبول ، واستلذه استلذاذا يجبر به ما وقع فيما سبقه من التقصير ، وجبر الواقع