من التقصير يعود إلى مجموع الكلام بالقبول والمدح ، وإلا كان الأمر على العكس أي : وإن لم يكن الانتهاء حسنا مجه السامع وأعرض عنه وذمه ، وذلك مما قد يعود على مجموع الكلام بالذم ؛ لأنه ربما أنسى محاسنه السابقة قبل الانتهاء ، فيعمه الذم ويرمى إلى الوراء ، ويكون عند السامع مما ينبذ بالعراء ، ومن المعلوم في المذوقات أن آخر الطعم إن كان لذيذا أنسى مرارته الأولى ، وإن كان مرا أنسى حلاوته الأولى ؛ فالانتهاء الحسن (كقوله) أي : كقول أبي نواس (وإني جدير) (١) أي : حقيق (إذ بلغتك) أي : وصلت إليك بمدحي (بالمنى) أي : بما أتمنى ، وهو متعلق بجدير أي : إني جدير بالفوز بالمنى منك حين بلغتك (وأنت بما أملت) أي : رجوت (منك جدير) لكرمك (فإن تولني) أي : تعطني (منك الجميل) أي : الإحسان والإفضال (فأهله) أي : فأنت أهل لإعطاء ذلك الجميل وذلك الإحسان (وإلا) أي : وإن لم تولني الجميل (فإني) لا أجد في نفسي عليك ، ولكنى (عاذر) لك بحملك على أن ذلك لعذر ؛ كعدم تيسر المعطى في الوقت ، أو لتقديم من لا يعذر بالعطاء (و) إني (شكور) لك ما صدر منك من غير الإعطاء ، وهو إصغاؤك لمدحي ، فإن ذلك من المنة على أو شكور لك الإعطاء السابق ، ولا يمنعني من شكر السابق عدم تيسر اللاحق ، ومن أحسنه قوله أيضا للمأمون :
فبقيت للعلم الذي تهدى له |
وتقاعست عن يومك الأيام (٢) |
وكذا قول أبي تمام في خاتمة قصيدة فتح عمورية :
إن كان بين صروف الدهر من رحم |
موصولة أو ذمام غير مقتضب |
|
فبين أيامك اللاتي نصرت بها |
وبين أيام بدر أقرب النسب |
|
أبقت بنى الأصفر الممراض كاسمهم |
صفر الوجوه وجلت أوجه العرب (٣) |
__________________
(١) البيت لأبى نواس ، انظر عقود الجمان (٢ / ١٤٩) ، والإشارات (٣٢٤) ، والإيضاح (٣٦٦).
(٢) لأبى نواس فى خاتمة مدح المأمون ، وهو فى شرح المرشدى (٢ / ١٧٩) ، لكن روايته (بالواو) مكان (الفاء).
(٣) ديوان أبى تمام (١ / ٢١) ، ط دار الكتب العلمية.