وعلى الشيخ تقي الدين السبكي ، وعلى الشيخ قطب الدين السنباطي ، وتخرج بالشيخ تقي الدين السبكي قريبه في كل فنونه فقها وأصولا وكلاما وحديثا ونحوا وغير ذلك ، وقرأ النحو على الشيخ أبي حيان ، وتلا عليه بالسبع ، ودرّس بالقاهرة ، وناب في الحكم ، ثم قدم دمشق وناب في الحكم أيضا ، ودرّس في الشامية الجوانية كما سيأتي ، وفي هذه المدرسة ، توفي ليلة السبت ثامن عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون ، وذكر له الصلاح الصفدي ترجمة طويلة حسنة ، وأنه درّس بالركنية والشركسية ، وأنه حكى له بعض فقهاء المدرسة الركنية أنه كان لا يتناول منها ما للمدرسة فيها من الجراية ، ويقول تركي لهذا في مقابلة أني ما يتهيأ لي فيها الصلوات الخمس ، رحمهالله تعالى ؛ ثم درّس بها ولده القاضي الإمام العالم البارع الأوحد أقضى القضاة بدر الدين أبو المعالي محمد ، ميلاده بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وحضر وسمع من جماعة بمصر والشام ، وكتب بعض الطباق ، واشتغل في فنون العلم ، وحصل وأفتى ، وله درس بالركنية هذه وعمره خمس عشرة سنة في حياة جده لأمه قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي ، وحدّث وناب في الحكم لخاله القاضي تاج الدين ، ثم ولي قضاء العسكر ، ولما ولي خاله الشيخ بهاء الدين قضاء الشام كان هو الذي سد القضاء عنه ، والشيخ بهاء الدين لا يباشر شيئا في الغالب ، وولي تدريس الشامية الجوانية ، كما سيأتي ، عوضا عن ناصر الدين بن يعقوب (١) في آخر سنة ثلاث وستين ، ورسم له في سنة ست وستين أن يحكم فيما يحكم فيه خاله القاضي تاج الدين مستقلا فيه منفردا بعده ، ودرّس بالشامية البرانية.
قال الحافظ ابن كثير : وكان ينوب عن خاله في الخطابة ، وكان حسن الخطابة ، كثير الأدب والحشمة والحياء ، وله تودّد إلى الناس ، والناس مجمعون على محبته ، وكان شابا حسن الشكل له اشتغال في العلم. وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي : كانت له همة عالية في الطلب ذكيا فهيما حسن العبارة في التدريس ، محببا إلى الناس ، توفي بالقدس في شوال سنة إحدى وسبعين
__________________
(١) ابن كثير ١٤ : ٣١١.