عماد الدين أحمد بن المشطوب ، اتفقوا مع الملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل ، وانضموا إليه ، وظهر للملك الكامل منهم أمور تدل على أنهم عازمون على تفويض السلطنة إليه ، وخلع الملك الكامل ، واشتهر ذلك بين الناس.
وكان الملك الكامل يداريهم ، لكونه فى قبالة العدو ، ولا يمكنه المعافرة والمنافرة ، وطول روحه معهم ، ولم يزل على ذلك حتى وصل إليه الملك المعظم صاحب دمشق ، فأطلعه الملك الكامل على صورة الحال فى الباطن ، وأن رأس هذه الطائفة ، ابن المشطوب المذكور. فجاءه يوما على غفلة إلى خيمته ، واستدعاه ، فخرج إليه وقال : أريد أن أتحدث معك سرا فى خلوة ، فركب فرسه وسار معه وهو جريدة ، وكان المعظم جرد جماعة ممن يعتمد عليهم ويثق بهم. وقال لهم : اتبعونا ، ولم يزل المعظم يشاغله بالحديث ، ويخرج معه من شىء إلى شىء ، حتى أبعد عن المخيم ، ثم قال : يا عماد الدين هذه البلاد لك ، ونشتهى أن تهبها لنا ، ثم أعطاه شيئا من النفقة ، وقال لأولئك المجردين : تسلموه حتى تخرجوه من الرمل ، فلم يسعه إلا امتثال الأمر ، لانفراده وعدم القدرة على الممانعة فى تلك الحال ، ثم عاد إلى أخيه الكامل ، وعرفه صورة ما جرى ، ثم جهز أخاه الملك الفائز إلى الموصل ، لإحضار النجدة منها ، فمات بها.
وكان ذلك خديعة لإخراجه من البلاد.
فلما خرج هذان الشخصان من العسكر ، تحللت عزائم من بقى من الأمراء الموافقين لهما ، ودخلوا فى طاعة الكامل كرها لا طوعا. فلما استراح خاطر الملك الكامل ، من جهة هذا العدو ـ وهم الفرنج الذين نازلوه بدمياط ـ وتفرغ للأمر الذين كانوا متحاملين عليه ، نفاهم عن البلاد ، وبدد شملهم وشردهم ودخل القاهرة وشرع فى عمارة البلاد ، واستخرج الأموال من جهاتها ، وكان سلطانا عظيم القدر ، جميل الذكر محبا للعلماء ، متمسكا بالسنة النبوية ، حسن الاعتقاد ، معاشرا لأرباب الفضائل ، حازما فى أموره ، لا يضع الشىء إلا فى موضعه ، من غير إسراف ولا إقتار.
وكان ييبت عنده كل ليلة جماعة من الفضلاء ويشاركهم فى مباحثهم وبنى بالقاهرة دار حديث ، ورتب لها وقفا جيدا.
وكان قد بنى على ضريح الإمام الشافعى قبة عظيمة ، ودفن أمه عنده ، وأجرى إليها ماء من النيل ، ومدده بعيد ، وغرم على ذلك جملة عظيمة.
ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام ، وقام ولده الملك الناصر صلاح الدين