فاس ، رحمها الله ـ تقول : كان لوالدى مخزن فيه شعير ، فأصاب الناس سنة شديدة ، واشتد الغلاء وكثر الضعيف. قالت لى : وكان ذلك المخزن له منفس غير بابه ، فأغلق والدى باب المخزن ، وكان يخرج الشعير من ذلك المنفس ، وكان كل يوم يأمر أهله أن يخرجوا جانبا من الشعير ، ويطحنونه ، ويخبز منه بعضه خبز ، وبعضه حريرة ، ويجتمع الضعفاء من أول النهار. فيأمر من يفرقه عليهم.
قالت : فلم يزل كذلك ، إلى أن ذهب الشتاء وانجلت تلك الشدة ، وتفرق الناس يأكلون من بقول الأرض ، ومن أوائل فريك الزرع ، وقل الطالب. قالت : فقال والدى : افتحوا هذا المخزن ، واكنسوه مما بقى فيه ، فقد جاء الحصاد إن شاء الله تعالى.
قالت : ففتحوا المخزن ، فوجدوه ما نقص منه شيئا أصلا. وقال : وكانت هذه ميمونة لنا مثل الوالدة ، وكانت من خيار الناس وفضلائهم.
وقال : سمعت الإمام محب الدين أبا العباس أحمد بن عبد الله الطبرى المكى يقول ـ بمكة المشرفة ـ : كنت جالسا يوما مع الجماعة المعروفين بدكتهم المعروفة بهم ، عند باب إبراهيم من المسجد الحرام ، فنظر أحدهم ، فرأى فى الطواف فقيرا من أصحابهم ، فقال لمن إلى جنبه من الجماعة : أما ترى فلانا يطوف؟ ـ على معنى الغبطة له على الطواف ـ فقال له صاحبه : إذا أردت تطوف ، امش إلى السوق ، وخذ مد حب ، وأوقية سمن وكل وطف ، من يقعد معنا ما يذكر طوافا ولا غيره.
ومعنى هذه الحكاية : أن أعمالنا قلبية ، لا تتقيّد بالحركات الظاهرة فى كثير من المندوبات ، فإن كنت أنت ممن يحب الطواف ، فكل الخبز وطف ، وكن فيما أنت فيه ، ولا تدخل علينا غير ما نحن فيه ، فقد قالوا : نفس من ذاكر ، خير من ألف ركعة من غيره.
وقال : سمعت الشيخ أبا عبد الله الوشيكى ـ رحمهالله ـ يحكى عن بعض مشايخه ، أنه كان يقول : إذا أشكلت عليكم المسائل ، فعليكم بالصالحين ، فإنه تعالى يقول فى كتابه العزيز: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١]. ومن هدى الله قلبه ، فلا إشكال معه أو عنده.
قلت : وهذه الهداية أيضا والله أعلم ، فى هداية خاصة ، وهى فى قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦].
وقال : سمعت الفقيه أبا محمد عبد الله بن محمد بن حسن بن عبّاد أيضا ، يحكى عن