المدائن (١٩٣) : وهي مدينة قديمة جاهلية وبها آبار هائلة وبها إيوان (١٩٤) كسرى المضروب به المثل في العظم والشماخة والارتفاع والإتقان ، واقليمها يعرف بأرض بابل (١٩٥). وكان المنصور لما قصد أن يبني بغداد استشار خالد بن برمك في نقض الإيوان ونقله من المدائن إلى بغداد ، فقال له خالد : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فقال له المنصور ملت إلى بقاء آثار أخوالك الفرس ، لا بد من هدمه. وأمر المنصور بنقض القصر الأبيض ، وهو شيء يسير من جانب الإيوان. فنقضت ناحية من القصر الأبيض فكان ما غرموا على نقضه أكثر من قيمة المنقوض فأزعج ذلك المنصور فقال لخالد : قد عزمت على ترك النقض ، فقال له خالد : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فغضب المنصور وقال : أما والله إن أحد رأييك غش. فقال خالد بلى والله كلاهما نصح ، فقال : صحح ما قلت ، فقال : أما قولي في الأول : لا تنقض ، حتى إن كل جيل يأتي في الدهر ويرى الإيوان ويستعظم أمره وأمر بانيه ثم يقول إن أمة وملوكا أزالت ملك الفرس وأخذت بلادها وأبادتها لأمة عظيمة ولملوك عظيمة ، فذلك من تعظيم الملة الإسلامية ، وأما قولي الآخر : لا تفعل ، يعني لا تترك النقض حتى إن من يأتي من الأجيال والخلق ويرى بعض النقض ، والنقض أسهل من البنيان ، فيقول إن أمة بنت
__________________
(١٩٣) المدائن : مدينة عراقية تقع على بعد بضعة كيلو مترات جنوب شرق بغداد كانت عاصمة الساسانيين الفرس ، حيث كانت تسمى بالفارسية الفهلوية تيسفون. تضم البلدة الحالية قبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي وكذلك مبنى ايوان كسرى أو كما يسميه أهل بغداد والمنطقة طاق كسرى (طاگ كسرى). يسميها الأهالي حاليا سلمان باك وذلك نسبة لقبر الصحابي سلمان الفارسي.
(١٩٤) الإيوان : Pavilion : مجلس كبير على هيئة صفة واسعة من ثلاث جدران وسقف لاستقبال الناس مثل إيوان كسرى وإيوان المسجد وإيوان القلعة وإيوان العدل
وكان الإيوان هو قاعة الاستقبال عند ملوك الساسان وهو معرب من إيوان الفارسية ومعناها بيت او قاعة للاستقبال عند ملوك الساسان.
(١٩٥) بابل : من البابلية باب+ ايلو أي" باب الله" (من إعجاز القرآن ، ج ١ ، ص ١٩٦).