فصل في المحيط وعجائبه
اعلم أن المحيط هو البحر الأعظم الذي منه مادة سائر البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يعرف له ساحل ولا يعلم عمقه إلا الله عز وجل ، والبحار على وجه الأرض خلجان منه. وفي هذا البحر عرش إبليس لعنه الله وفيه مدائن تطفو على وجه الماء وفيها أهلها من الجن في مقابلة الربع الخراب من الأرض ، وفيه حصون وفيه قصور على وجه الماء طافية ثم تغيب ، وتظهر فيه الصور العجيبة والأشكال الغريبة ، ثم تغيب في الماء وفيه الأصنام (٣٠٤) التي وضعها أبرهة ذو المنار الحميري ، قائمة على وجه البحر وهي ثلاثة أصنام : أحدها أخضر ، وهو يومئ بيده كأنه يخاطب من ركب البحر يأمره بالرجوع ، والصنم الثاني أحمر كأنه يشير إلى نفسه ويخاطب من ركب هذا البحر أن يقف عنده ولا يجاوزه. والصنم الثالث أبيض يومئ بأصبعه إلى البحر : من جاء وجاوز هذا المكان هلك. وعلى صدر كل صنم مكتوب بالأسود : هذا وضعه أبرهة ذو المنار تبع الحميري لسيدته الشمس تقربا غليها. وفي البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار في الأرض ، وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
__________________
(٣٠٤) يقال أن كلمة صنم معرب" شمن" الفارسية وهي الوثن ، والصنم ينحت من خشب أو يصاغ من معدن ، وهو ما اتخذ إلها من دون الله ، وقيل ما كان له جسم أو صورة فهو وثن (لسان العرب ، الأصنام).