فصل في
عجائب الجبال وما بها من الآثار
قال الله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٣٨٦). فلو قال قائل : ما وجه النسبة بين الإبل والسماء والجبال والأرض والنسبة بينهن غير ظاهرة؟ فالجواب أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني العرب ونزل بلغاتهم ، ومن المعلوم أن أجل أموال العرب وأعظما الإبل ؛ فبدأ بذكر الإبل لاستمالة قلوبهم إذ مدحت عظائم أموالهم ، ثم ذكر السماء إذ الإبل لا بلاغ لها إلا بالنبات ، ولا يكون النبات في الغالب إلا بالمطر ، والمطر لا ينزل إلى الأرض إلا من السماء ؛ ثم ذكر الجبال لأن العرب وأهل البادية ليس لهم حصون ولا قلاع يتحصنون فيها من أعدائهم إذا راموهم ، فكانت الجبال حصونا لهم وقلاعا ، وبها لهم الماء والمرعى ؛ ثم ذكر الأرض وتسطيحها لأن العرب في أكثر الدهر يرحلون وينزلون في الأراضي السهلة الوطيئة لإراحة الإبل التي هي سفن البر ومنها معاشهم وبلاغهم ، وهذه حكمة إلهية ، ومن بعض معاني هذه الآية الشريفة هذا الوجه وهو وجه حسن.
فأعظم جبال الدنيا قاف : وهو محيط بها كإحاطة بياض العين بسوادها ، وما وراء جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا. وقال بعض المفسرين : إن الله سبحانه وتعالى خلق من وراء جبل قاف أرضا بيضاء كالفضة الجلية ، طولها مسيرة أربعين يوما للشمس ، وبها ملائكة شاخصون إلى العرش لا يعرف الملك منهم من إلى جانبه ، من هيبة الله جل جلاله ، ولا يعرفون ما آدم وما إبليس ، وهكذا إلى يوم القيامة. وقيل : إن يوم القيامة تبدل أرضنا هذه بتلك الأرض. والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(٣٨٦) سورة الغاشية : آية ١٧ ـ ٢٠.