فصل في ذكر البلدان والأقطار
إعلم وفقنا الله وإياك أن بين مطلع الشمس ومغربها مدنا وبلادا وأنهارا لا تحصى كثرة ، ولا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى. ولكن نذكر منها ما ذكره فائدة واعتبار من البلاد المشهورة ، ونضرب صفحا عن ذكر ما ليس بمشهور ، ولا اعتبار ولا فائدة في ذكره خوفا من التطويل والسآمة ، والله تعالى المستعان.
فنبتدئ أولا بذكر بلاد المغرب إلى المشرق ، ثم نعود إلى بلاد الجنوب وهي بلاد السودان ، ثم نعود إلى بلاد الشمال وهي بلاد الروم والأفرنج والصقالبة وغيرهم ، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى : أرض المغرب أولها البحر المحيط ، وهو بحر مظلم لم يسلكه أحد ولا يعلم سر ما خلفه. وبه جزائر عظيمة كثيرة عامرة يأتي ذكرها عند ذكر الجزائر ، منها جزيرتان تسميان الخالدتين ، على كل واحدة منهما صنم (٧٨) طوله مائة ذراع بالملكي ، وفوق كل صنم منها صورة رجل من نحاس يشير بيده إلى خلف ، أي : ما ورائي شيء ولا مسلك. والذي وضعهما وبناها لم يذكر له اسم
فأول بلاد المغرب السوس الأقصى (٧٩) وهو إقليم كبير فيه مدن عظيمة أزلية وقرى متصلة وعمارات متقاربة ، وبه أنواع الفواكه الجليلة المختلفة الألوان والطعوم ، وبه قصب السكر الذي ليس على وجه الأرض مثله طولا وغلظا وحلاوة حتى قيل : إن طول العود الواحد يزيد على عشرة أشبار في الغالب ، ودوره شبر ،
__________________
(٧٨) الصنم Idol : الصنم هم ما تخذ إلها من دون الله ، وقد فرق بعض العلماء بين الصنم والوثن فقالوا إن الوثن هو ما صنع من الحجارة ، والصنم ما صنع من مواد أخرى كالخشب أو الذهب أو الفضة أو غيرها من الجواهر ، وقال البعض : إن الصنم ما كان له صورة أم الوثن فهو ما لا صورة له.
(٧٩) السوس الأقصى : مدينة في نهاية عمران المغرب فيما وراء الأندلس في الساحل الجنوبي من بحر الروم.