وكان معاوية قد تزوج (ميسون) (١) بنت حميد بن بجدل الكلابيّة ، وذلك تقرّبا إلى يمانية الشام (دون القيسيّة) فجاء بها إلى دمشق ، وأسكنها في إحدى قصوره المطلّة على (الغوطة) وكانت ميسون قبل ذلك تعيش مع أهلها في بيت من الشعر وتحيا حياة بدويّة ، ساذجة بسيطة فجلست ذات يوم لوحدها ، فتذكّرت أهلها واقرانها وزاد بها الحنين إلى مسقط رأسها حيث الخيام وحيث الفضاء الرحب فقالت : (٢)
لبيت تخفق الأرواح فيه |
|
أحبّ إليّ من قصر منيف |
ولبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشفوف |
وبكر يتبع الأضعان صعب |
|
أحبّ إليّ من بغل زفوف |
وكلب ينبح الأضياف دوني |
|
أحبّ إليّ من هزّ الدفوف |
وخرق من بني عمي ثقيف |
|
أحبّ إليّ من علج (٣) عنيف |
فقال لها معاوية (وكان يتصنّت اليها) : (ما رضيتيني يا بنت بجدل حتّى جعلتيني علجا عنيفا ، إلحقي بأهلك) فطلقها فذهبت إلى أهلها ومعها أبنها يزيد. وقيل أنه قال لها : (كنت فبنت) (٤) فأجابته ميسون : (لا والله ما سررنا إذ كنّا ، ولا أسفنا إذبنّا). (٥) وقيل إنّ معاوية سبق وقال لها : (أنت في ملك عظيم ، وما تدرين ما قدره قبل اليوم في العباءة) فقالت الأبيات المذكورة. (٦)
وقيل جاء (جارية بن قدامة السعديّ) إلى معاوية ، فقال له معاوية : من أنت؟ قال : جارية بن قدامة ، فقال له معاوية : (وما عسيت أن تكون؟
__________________
(١) ميسون : وهي شاعرة من شاعرات العرب وهي أم يزيد.
(٢) عمر رضا كحالة ـ أعلام النساء. ج ٣ / ١٤٢١.
(٣) علج : رجل جاف ، الشديد في معالجة الأمور ، وحمار الوحش.
(٤) البينونة : الطلاق.
(٥) عبد القادر عمر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٨ / ٥٠٦.
(٦) نفس المصدر السابق.