بنى بيعة (١) فيها الصليب لأمه |
|
وهدّم من بغض الإله المساجدا |
فبعث هشام بن عبد الملك إلى خالد القسريّ ، يأمره بإطلاق سراح الفرزدق ، فأطلقه.
وذهب الفرزدق يوما إلى خالد القسريّ يطلب مساعدته في (ديات) (٢) قد دفعها ، فقال له خالد : (إيه يا فرزدق!! كأنّي بك قد قلت : آتي الحائك ابن الحائك ، فأخدعه عن ماله إن أعطاني ، أو أذمّه إن منعني ، فأنا حائك ابن حائك ولا أعطيك شيئا ، فاذممني كيف شئت) ، فهجاه الفرزدق بأشعار كثيرة ، نذكر منها : (٣)
ليتني من بجيلة اللؤم حتّى |
|
يعزل العامل (٤) الّذي بالعراق |
فإذا عامل العراقين (٥) ولّى |
|
عدت في أسرة الكرام العتاق |
وادّعى رجل النبوة في زمن خالد القسريّ ، فجيء به إلى خالد فقال له ، ماذا عندك؟ فقال : قال الله تعالى في القرآن : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). وقلت أنا ما هو أحسن منه : (إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك وجاهر ، ولا تطع كل ساحر وكافر). (٦)
فأمر خالد بقتله وصلبه ، فمر به الشاعر خلف بن خليفة ، ورآه مصلوبا على خشبه فقال : (إنا أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، وأنا ضامن عنك ألّا تعود).
وقيل دخل شاعر على خالد القسريّ يوم جلوسه للشعراء ، فلمّا رآى
__________________
(١) البيعة : الكنيسة ـ محل عبادة المسيحيين.
(٢) الديات : مفردها دية : وهي الّتي تدفع إلى ذوي القتيل أو : هي المبالغ الّتي تدفع للصلح.
(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ١٧.
(٤) العامل : الوالي ، الأمير.
(٥) عامل العراقين : أي الكوفة والبصرة ، ويقصد به خالد القسريّ.
(٦) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٦ / ١٤٥.