وكان عمر بن أبي ربيعة ، يتمشى ذات يوم مع خالد القسريّ خارج المدينة ، فشاهدا (أسماء وهند) (١) ، فجلسوا جميعا يتحدثون ، وبعد لحظة تلبّدت السماء بالغيوم ، وأخذ المطر ينزل بغزارة ، فقام خالد ، وأخذ يظللهم بمطرفته (٢) حتّى هدأ المطر ، فقال عمر بن أبي ربيعة في ذلك : (٣)
أفي رسم دار دمعك المترقرق |
|
سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق |
بحيث التقى جمع ومفضى محسّر (٤) |
|
معالم قد كادت على الدهر تخلق (٥) |
ذكرت بها ما قد مضى من زماننا |
|
وذكرك رسم الدار مما يشوّق |
يبل أعالي الثوب قطر وتحته |
|
شعاع بدا يعشي العيون ويشرق |
وعن عمر بن أبي ربيعة (٦) أنّه قال : بينما كنت جالسا أيّام شبابي وإذا بخالد الخريث قد جاءني وقال : بأنّه مرّ بأربع نسوة ، لم ير مثلهن قط ومعهنّ (هند) يردن الذهاب إلى (العقيق) (٧) وما عليك إلّا أن تتنكر وتلبس ملابس الأعراب ، فذهبت اليهنّ وقد لبست ملابس قديمة ، وتعمّمت عمّة الأعراب ، وركبت بعيرا بغير وطاء فسلّمت عليهنّ ، ثمّ طلبن منّي أن أقول لهنّ شعرا ، فأنشدتهن (لكثيّر عزّة) و (جميل بثينة) وغيرهما ، فقلن لي : يا أعرابيّ ، ما أملحك وأظرفك ، وما أحلى إنشادك فما سبب مجيئك إلى هذا المكان؟! فقلت لهن : جئت أنشد ضالّة لي. فدنت (هند) منّي ونزعت عمامتي وقالت : أتظن أنّك خدعتنا بملابس الأعراب هذه ، والله نحن خدعناك ، لقد أرسلنا اليك
__________________
(١) أسماء وهند : عشيقتان لعمر بن أبي ربيعة.
(٢) المطرفة : جبة قصيرة تشبه القمصلة.
(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ٧.
(٤) محسر : اسم مكان.
(٥) تخلق : تبلى : أي خرقة بالية.
(٦) عمر بن أبي ربيعة : شاعر أموي ، له ديوان ، وهو أخو الأمير الحارث بن عبد الله.
(٧) العقيق : وادي يبعد عن المدينة حوالي عشرة فراسخ (وقد بينا ذلك في ص ١٢).